في الثلاثين من أكتوبر الماضي. وفي احتفال أقيم بالعاصمة السودانية "الخرطوم" تسلمت "مفوضية الاستفتاء علي تقرير مصير جنوب السودان" المواد الخاصة بتسجيل الناخبين للاستفتاء المقرر في 9/1/2011 وتشمل دفاتر وصناديق اقتراع وكتيبات لتسجيل الناخبين يضم كل كتيب منها 200 استمارة تسجيل طبعت في جنوب افريقيا بخصائص تأمينية يصعب تزويرها.. في ثنايا الفقرة عاليه تكمن بداية الفصل الأخير في كارثة انفصال جنوب السودان عن شماله.. ويتشعب الحديث في هذا الصدد إلي عدد من الجوانب.. فهناك من ناحية: القوي الأجنبية المؤثرة وفي المقدمة منها الولاياتالمتحدة التي تسعي جاهدة وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من أجل الانفصال.. وفي المقابل فان مصر ما انفكت تعمل بدأب وتفان وصدق وجدية وعقلانية من أجل رأب الصدع في السودان.. وهناك "دارفور" غرب السودان تراقب عن كثب مايجري في العلن وفي الخفاء بين الشمال والجنوب. فهي في خضم المعترك وربما تترقب دورها بقوة دفع ثنائية خارجية وداخلية في طابور التفكيك والتفتيت وهناك في اروقة الأممالمتحدة ودهاليزها من ينتظر دولة وليدة لتسجيلها في عضويتها بزفة غربية واسرائيلية. ومن الأهمية بمكان ان نبحر عبر الزمان والمكان الي جنوب السودان وغربه وشماله "أرضا وشعبا وقادة" حتي نبصر ملامح الصورة ونستوعبها من جوانبها المختلفة قدر المستطاع. ** نعود الي الوراء.. اكثر من قرن من الزمان.. في عام 1898 استعاد خديو مصر حكم المديريات السودانية. وكانت مصر انذاك قد منيت بكارثة الاحتلال الانجليزي "1882" الذي انقض علي البلاد والعباد.. وحتي منتصف العقد السادس من القرن الماضي كنا ننشد "عاشت مصر حرة والسودان" الا انه حدث عام 1955 ان صوت الاشقاء في السودان الي خيار الانفصال عن مصر. ** ومن المفيد ان نعيد ونزيد: ان الشأن السوداني هو شأن مصري أو يكاد يكون هكذا وبرهان ذلك فضلا عما سبق ذكره: أ ان السودان كان ولايزال وسيظل امتدادا طبيعيا وعمقا استراتيجيا لمصر. ومن هذا المنطلق فان السودان الواحد الموحد المستقر الناهض يعد من عناصر الاستراتيجية المصرية وروافدها. ب ان مصر عملت ومازالت تعمل من أجل تحقيق التنمية والامن والأمان والاستقرار في جنوب السودان وشماله وغربه ولمن لايعلم فان لمصر مشروعات ضخمة في السودان وان حجم الاستثمارات المصرية هناك يصل الي 6.5 مليار دولار وان الري المصري يقوم بأعمال غاية في الأهمية حيث يتم تقديم المعلومات عن مقاييس النيل وتصرفاته للحكومتين المصرية والسودانية لاتخاذ التدابير اللازمة عند حدوث فيضان مدمر وان الرئيس مبارك يشدد دائما علي المسئولين المصريين الاستمرار في المشروعات التنموية في جميع أرجاء السودان لاسيما جنوبه وشماله وغربه. ** أشرنا في مقال سابق الي دور قادة السودان بداية من عهد الرئيس الراحل جعفر نميري وحتي اليوم في اتساع الفجوة بين الشمال والجنوب وتراكم المشاكل والكوارث بسبب اخطاء وخطايا الانظمة والادارات السودانية المتعاقبة بداية من المسرحية العبثية التي اطلق عليها "تطبيق الشريعة الاسلامية" وحتي تفاقم الصراع وتصاعده بين رأس النظام في العاصمة من ناحية وبين جنوب السودان وغربه من ناحية اخري. ** وعندما توالت الأزمات والكوارث وتراكمت وتزاحمت وتسارعت وسقط مئات الالاف من الابرياء مابين قتيل وجريح ومشرد ومفقود وهارب تصاعدت السفسطة للتغطية علي هشاشة النظام وفساد بعض اركانه لنصل الي طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "لويس مارينو اوكامبو" يوم 14/7/2007 بتوقيف الرئيس السوداني عمر حسن البشير لمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية.. وكان استهتار البشير بطلب ايقافه استهتارا ساخرا. وكانت الفاظه مثل "يبله ويشرب ميته" غير موفقة. فضلا عن اللوحة العبثية التي بثتها الارضيات والفضائيات للدنيا بأسرها عندما رقص البشير بالعصا وسط الجموع عقب الطلب الذي أعلنه أوكامبو.. وكان في مقدور البشير ان يتوخي الموضوعية في رده. ** في الجنوب : تتواتر الانباء مؤكدة ان "سلفاكير ميارديت" نائب الرئيس السوداني يركز كثيرا في جهوده علي انهاء انقسامات الجنوب قبل الاستفتاء علي تقرير المصير. وفي هذا الصدد أعلن مسئولون جنوبيون سودانيون ان "كول دايم كول" قائد جيش منشق عن الجيش الشعبي والذي تسبب في اشتباكين في الجنوب عامي 2006و2009 زار مؤخرا كبار قادة الجيش الشعبي لتحرير السودان في "جوبا" عاصمة الجنوب والتقي مع سلفاكير رئيس حكومة الجنوب بعد ان عرض عليه العفو ورفاقه بشرط ان يكف عن الانشطة العسكرية.. والجدير بالذكر انه منذ شهور ومدن الجنوب تشهد يوميا مظاهرات صاخبة تدعو الي الانفصال عن الشمال وتطالب بالاستقلال!!! والمؤسف ان كل الخطوات والاحداث والانشطة تؤكد ان الجنوب يمضي قدما صوب تحقيق الانفصال وحسب علمي.. فقد أجريت مسابقة أدبية فنية لتأليف "النشيد الوطني" للدولة الوليدة. ** سكان جنوب السودان لايشكلون وحدة متجانسة فهم جماعات مختلفة وقبائل متعددة فهناك قبيلة "الدينكا" اكبر قبائل الجنوب "حوالي ثلاثة ملايين نسمة" والتي ينتمي اليها الزعيم الجنوبي السوداني الراحل "جون جارنج" وهناك "النوير" و"الشلوك" وغيرها ويشكل سكان الجنوب نحو 25% من سكان السودان ويعيشون في نحو 30% من المساحة الكلية للسودان وهم يختلفون في العرق والدين واللغة واللهجات.. والقاسم المشترك بينهم هو اللغة العربية المكسرة بالرغم من ان الجنوب اعتمد اللغة الانجليزية كلغة رسمية وهناك حقيقة لمستها شخصيا من جنوبيين يعيشون في مصر ومفادها ان الديانة المسيحية التي يدين بها أكثر ابناء الجنوب "50% من تعداد سكان الجنوب" لاعلاقة لها بأسباب الانفصال.. وتعدد الاديان هناك لايمثل مشكلة علي الاطلاق. ومن الوارد ان يوجد في الجنوب العديد من العائلات يدين افرادها بديانات مختلفة. لم نتحدث بعد عن دور القوي المتربصة بالسودان .. والحديث يتواصل.