ساكتفي هنا في هذا التقرير بالأعمال الخالدة عن العمل والعمال علي الشاشة الكبيرة والصغيرة لأن صوت العمل هو النداء المقدس الواجب ورسولنا صلي الله عليه وسلم.. عندما وجد رجلا لا يبرح المسجد سأله: من ينفق عليك؟ فقال الرجل: أخي.. وكان جواب المصطفي صلي الله عليه وسلم: هو أفضل منك. وفي حديث آخر جاء من يسأله: حسنة! فاشتري له ما يقطع به الاشجار ويأكل من عمل يده. السينما المصرية اهتمت بالعمال مبكرًا.. وكان فيلم "العزيمة" البشارة الأولي التي فتحت الباب بعد ذلك أمام رسم صورة مشرفة لأصحاب الأيدي التي يحبها الله ورسوله. وبالمناسبة كل صاحب شغل شريف هو عامل ابتداء من رئيس الجمهورية إلي أصغر موظف. وقد طلب الرئيس السيسي في عيد العمال من الأهالي تغيير ثقافتهم تجاه فكرة العمل اليدوي ونادي أصحاب المؤهلات بالتدريب لأن المستقبل مهم علي كثرة حملة الشهادات.. العاطلين الذين ينتظرون وظيفة روتينية تقتل طموحهم مقابل الراتب المضمون. وعندما عرض فيلم "العاملة" لأول مرة يوم الخميس 4 فبراير عام 1943 حقق نجاحا مذهلا جعل بطله ومنتجه والمشارك في كتاب السيناريو "حسين صدقي" يصدر بيانا نشر في صحيفتي الأهرام والمقطم جاء فيه: * أبناء وطني.. لقد قابلتم أول افلامي "العامل" بحماسة فياضة كان لها ابلغ الأثر في نفسي وجعلتهم في عنقي أمانة هي رسالتي نحو بلدي. لقد كان "العامل" معبرا عن أماني طبقة مهمة من المجتمع المصري فلتأخذوا عهدا علي انتاجي في المستقبل نحو كل بيئة مصرية عساي ارد لكم الجميل. وعندما قال صدقي انه فيلمه الأول يقصد انتاجه.. لأنه لعب بطولة "العزيمة" عام 1939 وهذا ما شجعه علي تقديم "العامل" الذي تم منعه في عرضه الثاني بعد أربعة أشهر عرضه الأول فقد تدخلت الرقابة بالمنع لدواعي الأمن العام. كتب السيناريو في نسخته الأولي المخرج محمد عبدالجواد عن قصة من تأليفه ثم تدخل منتج الفيلم وبطله في السيناريو الذي اخرجه أحمد كامل مرسي في هذا التوقيت أحست السينما بدورها المهم ولأن الأجانب شاركوا بشكل أساسي في بداية الصناعة "يهود طلانية اتراك انجليز فرنساوية جنسيات أخري" رأي السينمائي ان من واجبه ان تتحدث الأفلام عن مجتمعه ولا تكتفي بالجانب الترفيهي فقط والثابت ان فيلم "العزيمة" فتح الباب لكي تغير السنيما نظرتها الي أصحاب المهن المختلفة وقد حصل كاتب السيناريو عبدالجواد علي 50 جنيها علي دفعات وحصل المخرج علي 250 جنيها وبلغت الكلفة الاجمالية للفيلم حوالي 4 آلاف جنيه كان حسين صدقي يمتلك فيها 1500 جنيه واقترض الباقي وسدده بعد عرض الفيلم. وكان العنوان الأول للفيلم "المجاهد" واعترضت الرقابة لأن الاسم يرتبط بأحد زعماء الوفد في هذا التوقيت. ملاحظات الرقيب كانت الرقابة قد انتبهت إلي الفيلم وربما ارادت ان تحمي نفسها كدائرة للموظفين فأرسل مدير مراقبة النشر "محمد القباهني" إلي مأمور قسم الأزبكية يطلب منه سحب الفيلم الذي يظهر الحكومة في حالة لا مبالارة ضد العمال وانها تغفل عن حقوقهم كما ان الفيلم يظهر العامل في حالة بؤس وفقر وكانت قد قالت في ملاحظاتها عند الترخيص بعرضه الأول علي حذف مشهد لزوجين في السرير ولقطتين لراقصة تظهر عارية "السرة" وحذف عبارة: "ماليش نصير ولا وساطة" وفي المرة الثانية خافت من دعوة الفيلم للتظاهر وقد تم تحويل الفيلم الي مصلحة العمل التي تعادل وزارة القوي العاملة حاليا لأخذ رأيها وهو ما جاء في بحث الناقد الكبير "محمود علي" الذي نجح في العثور علي نص السيناريو بخط يد مؤلفه.. الي جانب التقارير والخطابات المتبادلة بين أطراف الأزمة. وقد قدم يوسف وهبي بعد العامل فيلم "ابن الحداد" مع توجو مزراحي الذي وصفه الناقد الفني لصحيفة "التسعيرة" بانه اسخف فيلم مصري فقد حاول استثمار نجاح العامل دون جدوي وكانت عزيزة أمير قد قدمت قبلها فيلم "الورشة" في اشادة الي ان المرأة يمكنها ان تعمل في أي ميدان وظهر الفيلم عام 1942 ومع ذلك لم يلفت الانظار الا بعد عرض العامل الذي فرض نفسه بعد حذف مشاهد وجمل قليلة لكي يتم عرضه رغم الوشاية إلي الملك فاروق بمنعه نهائيا. في المسلسلات ظهر العمال في المسلسلات.. بشكل سطحي حتي جاء اسامة أنور عكاشة واستثمر مصنع سليم باشا لكي يغوص في دنيا العمال والعمل وهم أصحاب ارادة في مصنع خاص ورأينا حسن يوسف "توفيق" مدير المصنع يقف في صف العمال وارتباطهم بالوطن وهمومه وكفاحه وكان العمال "سيد عزمي فتوح أحمد محمد فريد" يقودون التجمع العمالي في مشاهد كانت جديدة تماما علي الدراما.. وهو ما أكده أسامة في معظم أعماله لكن باشكال أخري "أرابيسك" مثلا لا يكتفي بتقديم الصنعة والصانع لكن بارتباط المهنة بثقافة البلد وهويتها.. وهي رؤية بعيدة النظر وبعيدا عن فكرة الحنين الي الماضي نجد ان الفن في فترة ثورة 23 يوليو سخر كل طاقته في الغناء والشعر والأدب والسينما والاذاعة والمسرح لاستنهاض الهمم وقد لخص الشاعر الكبير صلاح جاهين كل هذا في أغنية صورة يتحدث عن العامل والفلاح والمهندس والمدرس.. وكل شغال يستحق ان يكون في الصورة تحت الراية المنصورة. وكان توفيق الحكيم صاحب وجهة نظر بديعة في قصة "الأيدي الناعمة" التي هاجمت وسخرت من أصحاب القصور العواطلية علي حساب الشغيلة من أبناء الطبقات البسيطة الذين صنعوا انفسهم بالجهد والتعب والكفاح وكان الذكاء في القصة انها اظهرت الصنايعي من النوع المتعلم فهو خريج هندسة لكنه يعمل بيده وفي النهاية هو الذي انقذ الباشا من افلاسه.. وعلمه قيمة الشغل فهو من صميم التدين.. والانبياء جميعهم كانوا شغيلة فمن الترزي وراعي الأغنام والمحاسب الوزير والحداد والنجار وصانع السفن وفي عيد العمال جدد الرئيس دعوته للشباب والعائلات بالنظر الي التأهيل المهني والاهتمام بالتعليم الفني لأنه احتياج المرحلة الحالية والقادمة لأن البلد ليست في حاجة إلي "أفندية" علي مكاتبهم بقدر ما هي محتاجة الي يد تعمل وعقل يفكر ونفوس تعرف انه الجهاد الأكبر.. كما اخذنا بذلك رسول الانسانية محمد صلي الله عليه وسلم. بدلة عبدالحليم سمعت بالتأكيد عن اغاني العمل والعمال التي قدمها كبار المغنين لكنك ستشهد من أغنية نادرة كتبها الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفي ولحنها عبدالحميد توفيق زكي عام 1956 وتقول كلماتها: بدلتي الزرقا لايقة فوق جسمي في جمال لونها مركزي واسمي بدلتي الزرقا من نسيج ايدي لبسها يزيني حتي في يوم عيدي مش مفاقراني برضه ساتراني حافظة مقداري ليلي ونهاري بيها ترسمني يعجبك رسمك سؤال بريء هل الأعمال الدرامية حاليا تقدم صورة العامل الشريف المكافح كما ينبغي؟!