لم تستطع أمها تحريك شفتيها بكلمة.. فابنتها ألقي بها طليقها من بلكونة بيتها.. قتلها.. أما أختها فقالت لن أتحدث عن اختي فإن أردتم معرفة أكثر عنها.. اذهبوا لعملها واسألوا عنها واسمعوا.. بالفعل دخلت إلي هيئة الاستثمار ونطقت باسمها فاطمة أشرف.. لأسمع علي الفور.. جدعة.. ملتزمة.. تؤدي بنزاهة.. وتسقط الدموع من عين زميلتها وهي تكمل.. كانت ابتسامة المكان.. ضحكة تملأ الدنيا.. شابة جميلة.. مرحة. فاطمة محامية تؤدي عملها من داخل الهيئة ويعرفها المدير والساعي.. فهي من تلك النوعية التي تدخل للمكان فتهبه حياة ولا تترك أحدا دون أن تقضي له طلبه.. توزع الأمل مع العمل.. والابتسامة قبل التوقيع بإنجاز المهمة في التاسعة والعشرين من عمرها.. وكمصرية شرقية بالتأكيد سمعت كلاما عن ان حياتها لن تكتمل إلا برجل.. وان نجاح العمل لا يكفي ولابد من زواج.. وان الفرحة الحقيقية لأي فتاة يصورها فستان أبيض له طرحة رأت دموع الأم مع كل عريس رفضته.. ولوم الناس علي الدخول للثلاثين دون شريك.. والحكاية مكررة لدرجة التوقع.. وقبلت الفتاة العريس. محاولة.. حياة شهور لم تكمل السنة.. وصلت بالمحامية للحكم "حقي برقبتي".. لم تحتمل إهانة وقسوة واعتداء وحصلت علي الطلاق بإبراء.. تنازلت عن أي حق لها عنده مقابل إنهاء عقد.. قهر. عادت لتمارس الحياة. حكت صديقتها كريمة وقالت عادت لتجلس وسطنا ورجعت لنا بضحكتها الحلوة.. مليئة بالرغبة في نسيان كل ما فات. كنا نتناول الغداء معا. وكان الغد موعدها لاستلام ثلاجة ستضعها في الشقة التي حجزتها والدتها من الإسكان من أربع سنوات ودفعت فيها مكافأة نهاية الخدمة. ومنحتها لابنتها بعد طلاقها لتؤثثها واحدة.. واحدة وعلم طليقها بوجودها في الشقة فاقتحمها وحبسها وأهلكها ضربا وكلما طرق الجيران الباب لإنقاذها صرفهم بجملة واحدة.. أنا زوجها.. نفس الجملة التي نسمعها متي اجتمع الناس حول رجل يضرب زوجته علي الطريق.. وكأن الزواج مصوغا لانتهاك أنثي واستباحة اعتداء. لم يفرغ أمر فاطمة عند جسد تحول للأزرق من كدمات ولكمات فأمسك بها طليقها ليلقي بها من شرفة بيتها. من منطق القانون تري المحامية مها أبوبكر وعضو لجنة الخمسين.. وبين يديها ملف القضية ان العنف أكبر كارثة تواجه المجتمع. ليس الفقر ولا الاحتياج وإنما هو القهر.. وتكمل بأنها عاشت حكايات زوجات رفضن ثم مع التكرار اعتدن وقبلن.. والنهايات مكتوبة بنوبة "فوقان" وساعة "صحيان".. وقتها تحدث الجريمة منها بعد أن قررت وضع نهاية أو منه حين لا يتصور أن تلك المطيعة الخانعة.. رفعت راية العصيان. طلب.. مشروع وتطالب عضو لجنة الخمسين المجلس القومي للمرأة بالتدخل بالحق المدني في قضايا العنف ضد المرأة حتي لو تنازلت هي بدعوي الحفاظ علي بيتها ليبقي حق المجتمع في عقاب العنف لأنه جريمة في حق المجتمع تصل لجناية قتل في حالات متعددة. ومنذ وقت ليس بالقليل ألقي زوج بزوجته من شرفة البيت لأنها أنجبت ابنة وليس ولدا.. وقبلها وقبلها فمن الذي زرع في نفس رجل انه امتلك امرأة لدرجة التحكم في عمرها.. وكيف نقرأ أحكاما في مثل هذه الجرائم بعدة سنوات وكيف لا يبرد نار أسرة القتيلة قصاص الإعدام للقاتل. حق.. فاطمة ونترك القانون والعدالة معصوبة العينين إلي عيون لا تنام داخل بيت فاطمة.. وجملة واحدة صارت هي العزاء لأمها وأهلها وجيرانها واختها علياء.. عايزين حق فاطمة بالقضاء.