أثار مقال "الطب.. رسالة إنسانية" في ذات المكان العدد الماضي ردود فعل واسعة خاصة من الأصدقاء الأطباء الذين أكدوا علي الدور المهم لإنسانية الطبيب ورفقه بالمريض.. وأنها تسبق مهارة الطبيب وخبرته.. بينما أشار البعض إلي أن المؤسسات العلاجية والاستثمار في هذا المجال جعلها مضطرة لأن ترفع الأسعار وتتعامل بالدولار بلا شفقة بمريض ولا رحمة بمتألم. *** والحق يقال إن كل مهنة وكل فئة في المجتمع فيها النموذج والقدوة والمثال الرائع للإنسانية والعطاء والوفاء.. وفيها غير ذلك.. حتي الأسرة الواحدة تجد فيها هذا وذاك.. وكما نقول في المثل العامي "أصابعك لا تتساوي".. لكن الطب بصفة خاصة ليست كأي مهنة.. فالمهندس والمدرس والنجار والسباك والمحاسب والسائق والرسام والنحات.. كل هذه المهن والحرف تتعامل مع أدوات وماديات أما الطبيب والممرض "ملائكة الرحمة" فهم يتعاملون مع روح مع لحم ودم.. مع إنسان مريض في أضعف لحظات ضعفه ومرضه.. وفي أمس الحاجة إلي نظرة حانية لفتح له نافذة الأمل.. إلي يد رحيمة تمتد إليه تخفف عنه آلامه.. في حاجة إلي من يبادر بإسعافه وإنقاذه ولا يتركه ينزف أو يتألم إلي أن يدفع أولاً.. أو يستمر في المعاناة إلي أن يلفظ أنفاسه. *** واحقاقاً للحق.. لدينا نماذج مشرفة في قطاع الطب وهم كثيرون علي مدار عقود طويلة.. نوابغ في اختصاصاتهم وسمعتهم تملأ الآفاق.. وأعرف شخصياً منهم كثيرين ولهم مواقف مشرفة وإنسانية مع مرضاهم وأجلس كثيراً في مكاتبهم العامة أو الخاصة في المستشفيات العامة والحكومية أو العيادات الخاصة وأري بعيني الإنسانية والأمانة والإخلاص والوفاء في أداء رسالتهم مع مرضاهم.. وأن بابهم مفتوح للجميع دون استثناء.. وكأنهم وهبوا أنفسهم للتيسير عن البسطاء وقضاء حوائج الناس.. ولن أذكر أسماء فهم كثيرون وإن كان ذلك حقهم الإنساني لكن من يذهب إلي مستشفي شبرا العام "كتشنر" يري كيف تحولت من مستشفي طارد للبشر.. إلي خلية نحل لا تهدأ بقيادة مديرها وائل الجعار.. ومستشفي منشية البكري التي تستقبل الآلاف كل يوم في سهولة ويسر كل مريض يحصل علي مراده بلا معاناة.. بينما يقف مديرها د.هشام شوقي بين المرضي يلبي طلباتهم بنفسه.. وفي معهد الكبد الذي يزدحم بآلاف المرضي كل يوم يبذل المدير د.محمد إسماعيل جهداً كبيراً طوال اليوم لإنجاز مصالح المواطنين.. وفي معهد القلب القومي الذي قصده الآلاف من المرضي تجد المدير د.جمال شعبان يبذل فوق طاقته بصدر رحب يقضي حوائج الناس في قمة الأدب والاحترام والإنسانية. *** وسط هذه النماذج المشرفة.. يفسد عالم البيزنس والتجارة المهنية الإنسانية ويحولها إلي تجارة ومتاجرة بالمرضي.. ويتحول المريض بين أيديهم إلي زبون يجب استغلاله واستنزاف أمواله ومص دمائه.. حتي إن كثيرين منهم يسأل المريض عن مهنته وسكنه فإذا كان ميسوراً فهو "زبون" لا يفرط فيه أبداً.. وإن كان غير ذلك فلابد من استنزاف المتاح لديه.. في ظل الأرباح والتجارة اختفت ملائكة الرحمة.. وتحولوا إلي زبانية جهنم يجلدون المريض حتي الموت.. ويستنزفون الطاقات حتي الجفاف.