أكد د. زين عبدالهادي. رئيس دار الكتب والوثائق الأسبق. أن خسائر اقتصاديات الثقافة في مصر خلال السنوات العشر الماضية بلغت حوالي 50 مليار دولار نتيجة الأفكار والأحداث الإرهابية التي عطلت الاقتصاد الثقافي طويلا. بجانب عوامل أخري تتعلق بسوء الإدارة والتخطيط لاقتصاديات الثقافة وعدم وضوح الرؤية أمام المخطط المصري للدور الذي يمكن ان تلعبه الثقافة في دعم الاقتصاد والقضاء علي البطالة وعودة الجماليات والأخلاق إلي الشارع المنهك بثقافة في بعضها متخلف وبالي. مما أسهم في تراجع هذا النوع من الاقتصاد الذي تقترب قيمته من 5% من الاقتصاد العالمي. وأن هذا الرقم يقترب من التريليون دولار خلال ربع القرن الماضي. وردًا علي سؤال حول كيفية تحقيق الدولة ربحًا من الثقافة واعتبارها من مصادر الدخل القومي في ظل الميزانية الضئيلة لوزارة الثقافة. قال: هذا ليس دور الدولة إطلاقًا. وإنما هو دور الجمعيات الاهلية والقطاع الخاص. وينبغي تفعيل دور الجمعيات الأهلية في هذا الصدد. والسؤال فيما يتعلق بالقطاع الخاص هو: هل لديه إيمان باقتصاد الثقافة ام لا فهذه مسألة أخري خاصة به. كما أن الشريك الأجنبي من الممكن أن يهتم بصناعة الثقافة ويدعمها. لكن إلي الآن لم يتم تقديم خريطة للصناعات الثقافية في مصر. ليس هناك بنك للمعلومات خاص بذلك. وهناك مؤسسات دورها بناء قواعد للبيانات والمعلومات خاصة بهذه الصناعة. وهذا ليس دور الدولة. ففي دول العالم المختلفة والمتقدمة الدول هي المنسق والمجمّع فقط. المفروض الدولة تجمع رجال الاعمال مع القطاع الأهلي مع المواهب المنتمية للصناعات الثقافية حتي يتم الاشتغال علي هذا القطاع المهم. لكن للاسف لم يتم ذلك لسوء التخطيط أو الإدارة . وعن الاهمية التي يمكن استغلالها من خلال قصور الثقافة والمسارح التي تمتلكها الدولة في الإسهام في ذلك والتي كانت خلال الستينيات مصدرا من مصادر الدخل القومي. أشار إلي أن السؤال هو كم مسرحا مثلا تمتلكها الدولة من المسارح الموجودة؟ فعندك المسرح القومي ومسرح الشباب ومسرح الطليعة. إنما أين دور قطاع المسرح الخاص. للاسف تم هدمه خلال ال40 عامًا الماضية. السينما تم هدمها خلال ال40 سنة الماضية أيضًا. والسينما عندنا كانت ناشئة مع السينما الهندية. والمفروض أننا تقدمنا كثيرًا فأين نحن منها؟ أكد د.زين أنه ينبغي تعديل وسن القوانين الخاصة بالاستثمار. وإذا كان هناك عمل ودفع الآن فيما يتعلق بهذه القوانين فقد جاء متأخرًا جدًا. لأن القوانين تتطور في العالم وخاصة الدول المتقدمة. فمثلا دولة مثل الإمارات لم يعد هناك ضريبة أو "زيرو ضريبة". من ثم هناك تزايد في الاستثمارات. ونتمني أن يتم ذلك عندنا لجذب الاستثمار. ومركز المعلومات في مركز الوزراء كان قد بدأ تجربة في الثمانينيات والتسعينيات الماضية وهي إعادة رسم خريطة لمصر في مختلف المجالات. فأين وصل هذا المشروع وتلك التجربة. للأسف رجعنا القهقري وبدأنا من نقطة الصفر. وبالتالي نحن في حاجة إلي إعادة مسألة التخطيط مرة أخري علي مستوي الدولة. تابع قائلا: وإذا تكلمنا عن صناعات ثقافية عندك مثلا 40 صناعة ثقافية موجودة في العالم. وفي مصر تحديداً. وعندك صناعات بينية بالمئات. وأعتقد اننا لسنا اقل من دولة كالصين ولا أي دولة في العالم وعلينا أن نبدأ في الاهتمام بالمشروعات الثقافية الصغيرة عند الشباب لتحميه من الإرهاب والتطرف وتعطيه ظهيرا ماديا قوياً يساعده علي الحياة. بحيث نتوقف عن التعيين الحكومي وندفع في هذا الاتجاه. فتوجه استثمارات الدولة لهذا المجال. ويتم الاتفاق مع القطاع الخاص الأجنبي والعربي والمصري لدعم هذا التوجه. فهناك العشرات من الصناعات الثقافية التي يمكن استخراجها واستغلالها والموجودة في القري والنجوع والكفور. لكن ذلك ينبغي أن يسبقه تدريب وتسويق لها. وللأسف تم عمل ذلك منذ فترة وفشلت بسبب عدم وجود مفهوم التنمية المستدامة. ولفت د.زين إلي أن الصناعات الثقافية- وهو عنوان كتاب صدر له حديثا باللغة الإنجليزية- إلي أمرين هما أن مفهوم الثقافة في العقل العربي مختلف عن مفهومها في العقل الغربي. والامر الثاني هو أن هناك مدارس مختلفة في تصنيف الصناعات الثقافية والإبداعية. فعندك ثقافة الاقتصاد وعند الاقتصاد الثقافي وعندك الاقتصاد الإبداعي. الاقتصاد الثقافي وهو المبني علي الصناعات الثقافية بمفهومها الواسع. والصناعات الإبداعية تشمل البحث عن المواهب داخل الدولة لدعمها وتفعيلها وبناء مراكز خاصة بها من الممكن أن تصبح عالمية. وثقافة الاقتصاد هي الافكار الإبداعية التي يمكن صبها في الاقتصاد لتغيير مساراته أو عمل تحولات هيكلية فيه. بحيث تعظم هذه الأفكار الفائدة في قيمة الاقتصاد المصري. وأعتقد أن هذا قليل عندنا. وبالتالي يتم تصنيفنا بسبب ذلك علي أننا من الدول النامية. لأننا نحتل نهاية السلم في كثير من المقاييس العالمية. وهناك من يقسم الصناعات الإبداعية علي اساس الصناعات الذهنية والمادية والصناعات البينية بينهما. فالصناعات الذهنية مثل الرواية والشعر والموسيقي. المتعلقة بالأفكار في حد ذاتها. وهناك الصناعات المادية كالمسرح والخزف والفنون التشكيلية وغيرها. وهناك التي تجمع بين الاثنين مثل السينما المعتمدة علي الرواية. ولدينا عشرات الآلاف من الروايات ماذا فعلت بها في السينما التي انهارت الآن؟ وعن أهمية الآثار المصرية. أشار إلي أن مصر بما تمتلك من ثلثي الآثار بالعالم فإننا لم نستغل ذلك الاستغلال الأمثل. فينبغي ان تكون لدينا آثار بكل بلدان مصر والتعريف بقيمتها. للأسف هناك إحصائية خطيرة تقول إن 30% من آثارنا تمت تهريبها إلي بداية 2014. وبدلا من أن تكون لدينا متاحف متنقلة في مختلف دول العالم أصبحت مسروقة. وهناك أكثر من 30 ألف قطعة تنتمي للعصرين الروماني واليوناني تم تهريبها. وخسرنا تريليون دولار خسرناها خلال ال30 سنة الماضية لعدم اهتمامنا باقتصاد الثقافة الذي من الممكن ان ينقذ مصر خلال 4 سنوات. وليس لدينا العقلية التي ندير بها اقتصادا ثقافيا داخل مصر. والمفروض أن توجد لجان وزارية دائمة للتنسيق بين الوزارات وهو ما كان موجودا في الثمانينيات الماضية فيما يعرف ب"المجالس المتخصصة". والمفروض وزارات السياحة والآثار والثقافة والتعليم والإعلام يعملون سويا لمستقبل مصر الاقتصادي وهذا لم يحدث من سنوات. ينبغي أن نعمل علي خطة التنمية المستدامة في مصر.