شهادتي لهم مجروحة.. لكن ماذا يمثل هذا الجرح مقارنة بالجرح الدرامي المؤلم الذي نعيشه ونستطيع أن نكشفه بسهولة عن أسماء أبرز المؤلفين المبدعين في ميدان الدراما التليفزيونية بعد أجيال الكبار.. وبسهولة تستطيع أن ترصد أهم هذه الأسماء وعلي رأسها عبدالرحيم كمال ومحمد الحناوي وباهر دويدار ومحمد أمين وحسان دهشان ومريم نعوم وهالة الزغندي.. وأخيرا الثنائي انجي القاسم وسما أحمد.. مع وجود تحفظات علي مستويات هؤلاء ولهم عذرهم.. لأن منتج القطاع الخاص يفرض شروطه بعكس ما كان يتمتع به المؤلف في أيام قطاع الإنتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامي. الكبار لم يعلنوا اعتزالهم.. لأن الكتابة بخلاف كافة أنشطة الحياة.. كلما ازداد المؤلف خبرة.. كلما خرجت أعماله علي أفضل المستويات وهو لا يخرج إلي المعاش.. لكن حقيقة الأمر ان الشركات الخاصة تعرف ان الكاتب الكبير مقاما وليس سناً فقط.. سيرفض التنازلات. ولن يقبل اللعب في أوراقه.. وموضوعاته فيها من الجد أكثر مما فيها من الهزل والروشنة حتي لو كانت كوميديا عليها توقيع "لينين الرملي" ثم ان بدعة الورش.. أوفر لهم.. وأسرع في الإنجاز بصرف النظر عن المستوي.. والمسألة ما أسهلها.. خذ لك مسلسل أجنبي.. وقم بتمصيره وقل انها "فورمات" ولا تقل اقتباسات أو سرقات لأن بعض المشاهد يتم نقلها بالديكور والاضاءة وحركة الكاميرا بالمسطرة. فهل يقبل محمد السيد عيد أو أبوالعلا السلاموني أو أحمد عوض أو محمد حلمي هلال أو الغيطي ان يسلم دماغه لمن يدفع له تسليم مفتاح؟!.. مع ملاحظة ان كل ما جمعه أي من الأسماء الكبيرة التي ذكرتها لم يبلغ أجر مسلسل واحد بأرقام هذه الأيام!! صحيح ان بعض الكبار استمروا.. لكنها أسباب تخص كل واحد فيهم.. يوسف معاطي لارتباطه بعادل إمام.. وأيمن سلامة.. لانهم لم يجدوا له بديلا في صنعته.. واستمر معهم.. ومجدي صابر لأن مسلسله "سلسال الدم" كان علي الخريطة منذ سنوات وهو مرتبط بشركة إنتاج كبيرة لم تفرط في خبراته وتحترم قلمه. وقد يكون الكاتب محظوظا.. بحيث يجد من النجوم من يأخذ بيده ويؤمن بموهبته ويقدمه ويفرضه علي الجميع حدث هذا مع وليد يوسف.. والفضل في ذلك لنور الشريف في مسلسل "الدالي".. ويكاد ينطبق هذا الكلام علي عبدالرحيم كمال الذي ارتبط مع يحيي الفخراني في أهم أعماله خلال السنوات الأخيرة: شيخ العرب همام- الخواجة عبدالقادر- ونوس.. الأمر الذي أتاح لهذا الروائي المبدع أن يقول ما يريد في ظل شركة إنتاج محترمة قدرت كتاباته.. في حضور نجم له كلمته ويحافظ علي اسمه وتاريخه ويعرف كيف يختار أعماله. مسئولية النجم واختيارات النصوص تخضع لثقافة النجم ورغبته في التجديد الحقيقي وليس في تغيير الشخصية من عمل إلي آخر والقلة للأسف تقدر خطورة الدراما التليفزيونية فهي العنصر الأساسي في نشر الوعي والثقافة وقيم الخير والحق والعدل.. وهناك فئة كل ما يهمها الأجر ومساحة الدور وعندما نلوم النجم بطل العمل.. يجب ألا نغفل الدور الخفي الخطير الذي يلعبه الموزع الخارجي.. الذي يفرض بعض الأسماء ويرفض أخري لأسباب غامضة.. والموزع يمول الجزء الأكبر من ميزانية العمل.. والقنوات الفضائية تشتري المسلسل وعينها علي الإعلانات.. التي تقوم بدورها في إعطاء الأهمية لعمل علي حساب آخر.. بدون النظر إلي المستوي الفني.. وأكذوبة ان هذا النجم يبيح وهذا لا يبيع.. صناعة الموزع والمنتج.. والقناة الفضائية ووكالات الإعلان.. وكم من ممثلة تم تورطها في فضيحة أخلاقية وخرجت منها أعلي أجرا وأكثر انتشارا.. وقد سمعنا مؤخرا ان شركة أمريكية مدت يدها لصاحبة الفستان الشفتشي وكأنها بذلك تقول للممثلات: المجد "لمن تتشلح" أكثر.. وهي أمور معناها ان الدولة إذا ظلت غائبة عن المصنع الدرامي.. فان شركات القطاع الخاص ستلعب كما تريد وعلي هواها.. وهنا يجب ان نفتش عن مصادر التمويل.. وماذا تتوقع من أموال مشبوهة يتم ضخها لإنتاج مسلسلات تهدم وتحطم من القيم والبطولات والأخلاق والحفاظ علي هويتنا لا يعني الانغلاق والجمود.. لأن الدراما تشكل الوعي.. وإما ان تأخذنا إلي أعلي الأفق.. وإما ان تنزل بنا إلي سابع أرض.. ونحن أمة الوسط والاعتدال في كل شيء خاصة إذا وجدنا كل عارية تكتب علي صدرها ممنوع الاقتراب باسم "حرية الابداع". وهنا يجب ان أتذكر وأعيد كلمات المبدع الكبير "أسامة أنور عكاشة". هناك فرق بين الحرية الفكرية التي تجعلني أطرح ما أريد بكل حرية ولكن بأسلوب فني.. والكاتب يستطيع ان يراوغ ويقول ما يريد.. والجمهور يسعد إذا ما وضع يده علي مثل هذه المعادلات بعد تفسيرها والوصول إليها.. أما الحرية غير المسئولة فهي جريمة! بفعل فاعل الكاتب الكبير عاطف بشاي يؤكد من جانبه.. ان معظم الشركات الخاصة الموجودة حاليا عبارة عن شلل ومجموعات.. وسيطرة الشباب علي مجريات الدراما.. أزاح مجموعة من كبار المخرجين والمؤلفين.. بحجة انهم موضة قديمة.. والدراما ليست "بدلة" أو فستانا كل سنة لها موضة تخصها وبدونها تصبح "باله" ويتم بيعها في سوق "الكانتو" ونظام الورش هو جزء من نظام درامي مختلف تماما عما كنا نعمله في اطاره وقدمنا أهم الأعمال الراسخة في ذاكرة الأمة.. وابحثوا عن ليالي الحلمية- بوابة الحلواني- أم كلثوم- زيزينيا- نصف الربيع الآخر- لا- العائلة- أوان الورد- رأفت الهجان وعشرات الأعمال الخالدة. ويؤكد عاطف علي الاقتراح الذي طرحته "الجمهورية".. وأعلنه كاتب السطور في أكثر من لقاء تليفزيوني بضرورة انشاء شركة الدراما المصرية علي غرار ما فعله طلعت حرب سابقا.. بحيث يتم جمع صوت القاهرة وقطاع الإنتاج بماسبيرو.. وأيضا قطاع الإنتاج بمدينة الإنتاج الإعلامي ولا يعقل ان تظل هذه الكيانات عاطلة عن العمل بما تملكه من معدات واستديوهات يمكن ان تغطي ثلث تكلفة المسلسل. وكلام عاطف معناه ان كبار الكتاب في سكة.. وأغلب شركات الإنتاج الخاصة في سكة ثانية.. ولن ينصلح الحال إلا بعودة الدولة للإنتاج لأن الدراما أمن قومي!!