لا شك أن نصر أكتوبر العظيم ليس مجرد مناسبة نستعيد فيها ذكري مضت فالانتصار بكل أنواعه لا يمكن أن ينتمي أبدا للماضي بل يظل يحمل في أعماقه وروحه جسرا للمستقبل خاصة إذا تعمقنا في قلب وروعة هذا الانتصار بعيدا عن التعاملات الاحتفالية مع ذكريات هذه الحرب الحاسمة في تاريخنا المصري والأثر الحضاري الكبير لها. في حرب أكتوبر المجيدة دلالات ودروس ومعان تصنع خريطة محددة لمن يبحث عن الانتصار الدائم ودروس في الانتماء الوطني ويمكننا ان نشير إلي بعض هذه الدلالات والتي تأتي المواطنة في موضع متقدم منها بل وعلي رأسها ففي هذه الحرب المجيدة امتزج دم المصريين أقباطا ومسلمين بلا تمييز تحت راية الوطن وبرغبة صادقة في التقدم والتحرر.. إذن فالمواطنة كانت طريقا للانتصار وإعلاء شأن الوطن بكل أبنائه علي اختلاف عقائدهم وثقافتهم ومذاهبهم الفكرية والسياسية والأرواح التي حققت معني فداء الوطن تشهد علي ذلك بكل حب وتضحية. ومن الدلالات المهمة ايضا التي يجب أن نركز عليها فكرة الانتصار القائم علي العلم والدراسة وهنا يجب أن نتذكر اللواء باقي زكي يوسف الذي رحل عن عالمنا في يونيو الماضي والذي كان يشغل موقع رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميداني في حرب أكتوبر وصاحب فكرة استخدام ضغط المياه لاحداث ثغرات في الساتر الترابي المعروف بخط بارليف منذ سبتمبر عام 1969 والتي تم تنفيذها في حرب أكتوبر 1973 ولا يمكن ان ننسي دور سلاح المهندسين وباقية الأفرع التي نسجت مع بعضها هذا النجاح الباهر.. وبالرجوع إلي اللواء باقي نجد ان في شخصه تجتمع المواطنة والعلم وبهما تحقق الانتصار. ان الاستناد إلي العلم كفيل علي أن يخرجنا من المشكلات والأزمات الراهنة والتي يظن كثير انه لا مخرج ولا منفذ للخروج منها.. فقط نجرب الاستناد إلي أهل العلم والتفكير الخلاق. ونجد ايضا في نصر أكتوبر المجيد روح الأمل والاصرار علي النجاح والعزيمة والتحدي والإيمان وهي التي نحتاجها بشدة هذه الايام حيث طاقات الاحباط واليأس التي تبث فينا وتسلط علينا ليلا ونهارا من مواقع الخراب الاجتماعي وقنوات أهل الشر والاستناد إلي روح الأمل الكامنة في نصر أكتوبر المجيد وحدها قادرة علي ان تتصدي لكل قوي الشر. إن مصر التي كانت تئن تحت وطأة هزيمة ساحقة ويأس قاتل واحباط ظن البعض معه انه لا مخرج منه وتعيش اسطورة بث الاحباط التي تكرر ليل نهار ان جيش إسرائيل لا يقهر وان خط بارليف لا يعبر وان وقوف قدرة الدولة المصرية مجددا علي اقدامها لن يحدث ليأتي النصر العظيم هازما كل قوي الاحباط واليأس وتحطيم الارادة قبل ان يهزم جيش العدو وهي نفس الروح التي نحتاجها الآن لننجو من سهام اعداء الداخل والخارج المحبطين لكل تقدم والذين يصنعون من اليأس خط بارليف جديد لابد ان نهزمه مرات ومرات بالمواطنة والعلم وبطاقات الأمل الايجابية رغم كل الآلام. ان نصر أكتوبر المجيد يشكل طريقا مضيئا للمستقبل الأفضل وليس مجرد ذكري مضت إذا أحسنا استغلاله.