"أشعر بذنب شديد.. ولن أدع الموضوع يمر مرور الكرام.. وسيتم محاسبة المخطئين.. فالخطأ البشري وارد لكنه غير مبرر علي الإطلاق".. بهذه الكلمات واجهت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة أعضاء لجنة الصحة بمجلس النواب لترد علي أسئلتهم وتوضح لهم الحقائق بشأن حادث وفاة 3 مرضي أثناء جلسات الغسيل الكلوي بمستشفي ديرب نجم بالشرقية وإصابة 12 آخرين. يعد اعتراف الوزيرة بوجود تقصير وخطأ بشري شجاعة لم نعتدها من المسئولين منذ أكثر من 30 عاماً حيث كانوا عادة ما يبررون مثل هذه الكوارث ويعتبرونها قضاء وقدراً.. كما أن تحويلها لعدد من قيادات المستشفي إلي النيابة للتحقيق وإرسالها لجنة من الوزارة لإعداد تقارير عن الواقعة فيه سرعة تحرك غير معهودة فيما يحدث من إهمال ومصائب إدارية يروح ضحيتها أرواح بريئة لا ذنب لهم سوي إنهم جاءوا للعلاج في مستشفي عام!! بالطبع سرعة التحرك في احتواء الأزمة يحسب للحكومة وللوزيرة.. ولكن الاعتراف بالخطأ وبدء التحقيق مع المتسببين في الحادث يجب أن يدفع الوزارة لاتخاذ خطوات جادة لإنهاء حالة التسيب والإهمال التي تكاد تكون سمة في أغلب المستشفيات.. حتي أصبح من الضروري إجراء ثورة إدارية في القطاع الطبي خاصة قبل تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل التي ستكون من أهم إنجازات الحكومة وينتظرها المواطن بفارغ الصبر. صحيح أن الوزيرة قالت إن الكارثة كانت ستكون أكبر لولا أطباء الباطنة بمستشفي ديرب نجم الذين أنقذوا أعداداً أكبر من المترددين لعمل جلسات الغسيل الكلوي ولكن السؤال: هل لابد من حدوث كارثة ليقوم كل موظف وإداري وفني وطبيب بواجبه.. أم يبج أن تقع مصيبة نفقد علي أثرها أرواحاً بريئة حتي يتحرك المسئول من مكتبه ويراقب من يعملون معه ويتأكد من قيامهم بمهام وظيفتهم. أين ذهبت "ملائكة الرحمة" الذين كانوا يملأون مستشفيات مصر قبل نصف قرن.. ولا يحتاجون لمن يمر عليهم أو يراقبهم فقد كان إجادة العمل نابعاً من داخلهم ومن إيمانهم بالمسئولية وأن عملهم كأطباء وممرضات وإداريين هو "رسالة" قبل أن يكون مهنة أو أداء واجب؟! رغم ارتفاع درجة حرارة الحوار في جلسة الوزيرة مع لجنة الصحة.. إلا أنها استطاعت طمأنتهم علي الخطوات المستقبلية.. ولكنها عندما قالت لهم: "أي مريض في رقبتي شخصياً" فقد بدأ الفأر يلعب في صدور البعض. الإهمال عدو الإنجازات!! للأسف.. اعتاد بعض الموظفين والمسئولين بل والأطباء والممرضين علي الإهمال واللامبالاة.. ويؤدون أعمالهم بصورة روتينية كبعض الموظفين في دواوين الحكومة.. وفي الغالب لا يهتمون بمتابعة أعمال الصيانة للأجهزة والمعدات والتأكد من اشتراطات السلامة والأمان التي من المفترض أنها تتم بصورة دورية وهي من أساسيات العمل وضمان استمرار تقديم الخدمة الطبية للمرضي علي أفضل وجه ولكي يتم تجنب إصابة أو وفاة المريض من تلوث أو عدم كفاءة الأجهزة والمعدات!! تصرف الدولة المليارات لشراء أحدث أجهزة العلاج الطبي.. ولكن للأسف مازال هناك من يفتقد لثقافة أهمية إجراء الصيانة الدورية نتيجة لضعف الإمكانيات تارة.. أو تحت ضغط تزايد أعداد المرضي تارة أخري.. وربما لوجود إهمال وتسيب إداري إلي جانب النقص الشديد في أعداد الفنيين المؤهلين للقيام بالصيانة والالتزام بمواعيدها وشروطها.. وكل ذلك في ظل عدم وجود متابعة ومراقبة من المديرين يؤدي إلي تعطيل الجهاز لسوء الاستخدام أو عدم كفاءته بعد فترة أو تلوثه فتحدث الكارثة كما حدث في ديرب نجم.. وكل ذلك نتيجة للإهمال الذي أصبح العدو الأول لكل إنجازات الحكومة.. ويهدر أموال الشعب التي تنفقها الدولة علي مرافق الخدمات وتقضي علي حياة المواطنين!! أخطر ما قالته الوزيرة لنواب الشعب "معندناش بني آدمين تشتغل.. نعاني من عجز تام في القوة البشرية.. و60% من الأطباء موجودين في السعودية.. والباقي يسعون للعمل في القطاع الخاص".. مما يعني أنه لابد من الاهتمام بالعنصر البشري وتأهيله جيداً أو تحسين وضعه فالطبيب والفني لا يحصلان علي ما يكفيهما فظروف العمل في المستشفيات العامة تستدعي المراجعة لتشجيع الأطباء والممرضات علي العمل بها.. والحد من الإعارات للخارج وتحسين المرتبات وتوفير الحماية والأجواء المناسبة للعمل فقد أصبح أهالي المرضي في بعض الأحيان يرهبون الممرضة أو الطبيب ويحملونهم مسئولية أي تدهور في صحة مريضهم حتي لو ذهب إلي المستشفي وهو "ميت إكلينيكياً"!! تحتاج منظومة العمل في المستشفيات العامة إلي ثورة إدارية.. وإلي تهيئة المناخ للأطباء والممرضين وتحسين أوضاعهم لأداء واجبهم في ظروف مناسبة.. والأهم ضرورة توفير الأجهزة والمعدات اللازمة لعلاج المرضي والتأكد من صيانتها وكفاءتها بصورة دورية.. واستمرار المراقبة والمتابعة الدائمة لعدم تكرار ما حدث في ديرب نجم.. وحتي لا تضيع المليارات التي تستثمرها الدولة في القطاع الطبي هباء!! الأستاذ فاروق فهمي وفاة الأستاذ فاروق فهمي نائب رئيس تحرير الجمهورية "التي فوجئت بها أثناء سفري" خسارة كبيرة لدار التحرير وللصحافة المصرية.. فلم يحظ بما يستحقه في تعريف الجيل الجديد من الصحفيين به.. فقد كان فاروق فهمي "الجمهورية" مع الأستاذ لبيب السباعي من "الأهرام" وكريمة عبدالرازق "الأخبار" أهم ثلاثة محررين للتعليم في مصر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وينتظرهم الآلاف من القراء كل يوم خاصة أيام مكتب تنسيق الثانوية العامة حيث احتكر الثلاثة أخبار المكتب لسنوات وكان الطلاب يتابعون تحليلاتهم للمجاميع وتوقعاتهم لدرجات القبول بالكليات الجامعية.. بل كان بعضهم يختار ما يكتبه في استمارة القبول وفقاً لما يقوله فاروق فهمي الذي كان كثيراً ما يتفوق علي الأهرام والأخبار وكان وقتها الأستاذ يوسف عز الدين رحمه الله رئيساً لقسم التعليم وكان فاروق فهمي نشيطاً لذلك اختاره الأستاذ محسن محمد رئيس تحرير الجمهورية وقتها ليكون رئيساً لقسم الشباب الذي كان يعتبر في عام 1976 شيئاً جديداً في الصحافة العربية والمصرية وتزاملت مع الأستاذ السيد البابلي والأستاذ زياد السحار للعمل في هذا القسم تحت قيادة فاروق فهمي وكنا مازلنا طلبة بكلية الإعلام.. وإلي جانب رئاسته لقسم الشباب وقيامه بعمل نائب رئيس التحرير والمسئول عن إصدار الجريدة يوماً كل أسبوع فكان الأستاذ فاروق يقوم بتغطية أخبار جامعة عين شمس وظلت علاقاته ممتازة بقياداتها وأساتذتها والعاملين بها حتي بعد بلوغه سن المعاش. لم يشأ فاروق فهمي أن يستجدي البقاء للعمل بالصحافة حيث إن القانون كان و"مازال" يستدعي أن يتقدم من يصل إلي سن الستين بطلب مد الخدمة أو الاستعانة وخشي أن يتحكم في قراراته أحد ففضل أن تكون له مطبعة أو دار نشر صغيرة لأنه لم يتخيل نفسه بعيداً عن عالم الكتابة والنشر والطباعة.. وعزة نفسه هذه جعلت "الجمهورية" تفتقد لكاتب صحفي ومتميز.. رحم الله الأستاذ فاروق فهمي وألهم أسرته ومحبيه الصبر.