توجع القلب مأساة مستشفي »ديرب نجم»، لكنها لابد أن تستنهض الهمم لمواجهة مختلفة عما تعودنا عليه. جيد أن تحركت كل أجهزة الدولة للتعامل مع الموقف، وأن تبدأ التحقيقات الجادة للتوصل لكل الحقائق ومعرفة كل الأسباب التي أدت إلي المأساة، وعقاب المسئولين مهما كانت مواقعهم. كل هذا جيد، لكن المطلوب أكثر من ذلك بكثير.. المطلوب أن ندرك أننا أمام حالة غير مسبوقة من الإهمال والتسيب واللامبالاة، تعيش في حماية فساد تسلل إلي كل مفاصل الدولة، واستنزف قواها علي مدي أربعين عاما أورثتنا هذه الأوضاع الصعبة التي نواجهها. مأساة مستشفي »ديرب نجم» أكبر من مسئولية فردية من شركة الصيانة أو العاملين بالمستشفي، بل ربما تكون دلالاتها أكبر من أن تنحصر في المآسي العديدة التي نراها في مستشفيات عامة وخاصة وفاخرة!! الكارثة الحقيقية أن الاهمال والتسيب وعدم تحمل المسئولية تكاد كلها أن تصبح ظاهرة عامة!! وأن الفساد - رغم الحملات الضارية عليه- مازال يتغلغل في شرايين المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة!! المأساة واحدة.. من حادث مستشفي »ديرب نجم» إلي حوادث القطارات اليومية. ومن معلم هجر المدرسة إلي »السناتر» لمقاول يبني عمارة آيلة للسقوط علي أرض غير مخصصة للبناء!! عقب حادث »ديرب نجم» سمعنا شهادات من نبهوا وحذروا وكان مصيرهم العقاب أو الإبعاد. هذه ليست حالة فردية. إنها موجودة في جميع المؤسسات.. مع استثناءات تحكمها طبيعة العمل وصرامة التقاليد . ومع ذلك فلا ينبغي أن نفقد الأمل في أن تنتصر إرادة الإصلاح. وقبل أسابيع فقط كتبت عن أطباء مستشفي الحسين الجامعي وهم يقتحمون النار لانقاذ المرضي العاجزين عن التحرك. كانوا نموذجا لاشك في أنه موجود وجاهز لتقديم الأفضل في كل المجالات إذا وجد المناخ المناسب والإرادة التي تدرك أنه لا سبيل للتقدم إلا بضرب الفساد والإهمال والتسيب، والانحياز لقيمة العلم وشرف العمل . في وطن يقاتل الإرهاب ويحاول أن يبني المستقبل.. لا ينبغي أن يكون هناك مكان لفساد أو لإهمال، ولا ينبغي أن تغيب الضمائر أو ينتصر التحايل علي القانون .