لم أندهش كثيراً من تلك "التقليعة" الجديدة التي هبطت علينا فجأة والمعروفة برقصة "كيكي" التي تستعرض خفة الشباب بالقفز من السيارات والرقص في وسط الشارع. بالعكس فقد تكون تلك الظاهرة مبهجة إذا تحمل صاحبها وحده خطورتها ولم تتسبب في اختناقات مرورية أو حوادث يدفع ثمنها الغير. ولكن ما بالكم بظواهر أخري مفجعة ومؤذية للعين وملوثة للبيئة ومسببة للأمراض الخطيرة في ظل فقدان كل مدننا وشوارعنا دورات المياه. أقصد طبعاً تلك المشاهد المؤذية للنفس والعين لقضاء البعض لحاجاتهم ليس فقط عند أسوار المدارس أو أسفل الكباري.. بل لقد شاهدت بعيني هذه المشاهد في أحياء راقية مثل مصر الجديدة أو مدينة نصر حيث لا يخجل سائق في أن يفتح باب سيارته ويقف خلفه معطياً ظهره للناس موجهاً بوله إلي احدي عجلات السيارة.. وكم تشعر بالأسي وهو يمسك زجاجة ماء لكي يطهر بها نفسه ناسياً أنه ترك جريمته علي نهر الشارع في أسوأ مشهد إنساني وسياحي يضر ببلدنا صحياً وسياحياً ويعطي عنا صورة سيئة في تعاملنا مع مشكلاتنا منذ سنوات طويلة بإهمال وتقاعس ولا مبالاة! فالشارع في بلدنا مهان ومعتدي عليه من كل من هب عليه ودب.. من بلطجية يفرضون الإتاوات بحجة أنهم يمارسون مهنة السايس أو الركين. معظم محلات الطعام الآن تضع المقاعد والموائد علي الأرصفة. ولا تكتفي بذلك بل تقدم الطعام لركاب السيارات الذين يسدون نصف الشارع في صفوف ثانية وثالثة. وقد جهزت محال الطعام "صواني" تُشبك علي نوافذ السيارات.. والكل يمارس اعتداء علي هيبة الشارع يأكل ويشرب ويلقي بفضلات طعامه في عرض الطريق بلا خجل ولا إحساس بالذنب.. فهذا عادي جداً حتي ولو اهتمت الإدارات المحلية وأجهزة المرافق بعمل محاضر أو الزمت أصحاب المحال بوضع صناديق للقمامة قد بغلقها بعضهم بجنازير وأقفال!. وماذا أيضاً عن أصحاب المقاهي الذين يحتلون الأرصفة ومثلهم أصحاب الأكشاك الذين لا يكتفون بثلاجة واحدة للمياه الغازية. فهنال العديد منها للشيكولاتة وأخري للعصائر وثالثة للزبادي والرايب في سوبر ماركت مفتوح ينافس السلاسل التجارية! أما عن المتسولين وباعة كل شيء في الإشارات بدءاً من المناديل ولعب الأطفال والفل والياسمين وفرش السيارات.. فهذا سوق آخر رائج لا يكتفي أصحابه برزقهم.. فالبعض منهم يطارد الناس في تحد بالطرق علي زجاج السيارات أو يطلبون تنظيفها رغماً عن أنفهم. وهناك أصحاب الورش وميكانيكية الشارع الذين يمارسون مهنتهم علي مرأي ومسمع من كل سكان الحي.. يلوثون البيئة ويتلفون رصف الشارع ويلقون الزيوت وقطع الغيار التالفة في أي مكان.. هذا بالإضافة إلي مغاسل السيارات تلك الحرفة الجديدة التي لا تكتفي بحيزها الضيق وتمتد إلي كل أرجاء الشارع.. أما سائقو السيارات الأجرة فلهم أماكن معروفة يمارسون كل شيء في الشارع بدءا من غسيل سياراتهم وطعامهم وشرابهم وقضاء حاجاتهم حتي لعب الطاولة والدومينو. *** هذه مظاهر وسلوكيات هناك غيرها الكثير تضرب الشارع المصري في مقتل وتتحرش به وبسكانه.. ومسئولونا يعرفون كل ذلك وأكثر ولا يملكون حيلة تجاهه أو يحاولون التصدي له بجدية.. سوي محاولة تصنيف بعض الحالات مثل عربات طعام الشباب الجديدة. أو المطاردة للباعة الجائلين بين كل كر وفر وعسكر وحرامية في أغرب مشاهد تنفرد بها مدننا وعواصم محافظاتنا. لا شك أن بلدنا تشهد مشروعات قومية عملاقة وانجازات غير مسبوقة.. ولكن تجاهل حكومتنا وأجهزتها لمثل هذه المظاهر السلبية والسلوكيات غير المسئولة في الشارع تخصم من رصيد الحكومة وتسيء لصورة بلدنا وتفتح الباب لمزيد من المخالفات إذ أنها تشعر هؤلاء المخالفين بضعف قبضة الحكومة. وأتصور أن هيبة الحكومة أي حكومة هي باهتمامها بالتفاصيل الصغيرة التي تشكل صورة البلد والشعب الذي تحكمه.. ويستطيع الزائر لأي بلد في العالم أن يحكم عليها وعلي تحضر شعبها وطريقة حكمها من تلك المشاهد الصغيرة التي يراها في أي مكان يذهب إليه. عفواً.. لا تهتموا براقصي "الكيكي" وحدهم.. ولكن تنبهوا لكل هؤلاء الراقصين علي جثة شارعنا المفتري عليه..!!