يا سيادة القاضي، لو كل واحد عزّل من بيته عشان ساكنة تحتيه رقاصة، البلد كلها هتبات في الشارع"، جملة قالها زعيم الكوميديا عادل إمام في مسرحيته الشهيرة "شاهد ما شافش حاجة"، تبرهن على أن الرقاصات في مصر "على قفا مين يشيل". لكن التساؤل المهم، هل كان يدرك الفنان عادل إمام - وهو يقول هذه الكلمات - أن البلد ستتعرض لمثل هذا الغزو من الراقصات الأجنبيات ؟!، وذلك حسب أرقام وإحصاءات رسمية عن وزارة القوى العاملة، فالأرجح أنه لم يكن يعرف، وإلا قام بتغيير "الإفية" تماماً. فمن حين لآخر تثار ضجة إعلامية واجتماعية تملأ الأوساط وتشغل حيزاً لا يستهان به من اهتمامات الرأي العام .. وتكون كلمة السر فيها "الرقاصة الأجنبية" .. ولعل آخرها أزمة البدلة الفاضحة التي ارتدتها الراقصة الروسية "جوهرة" .. وبطبيعة الحال لم تكن "جوهرة" الراقصة الأجنبية الأولى ، ولن تكون الأخيرة، في شغل الرأي العام فقد سبقتها الراقصة اللبنانية إليسار والأوكرانية ألاكوشنير إلى جانب الأرمينية صوفينار. ومن يتابع الأخبار المنشورة عن حفلات "أولاد الذوات" يدرك على الفور أن مهنة "هزّ الوسط"، التي تعتبر من أعرق الفنون الاستعراضية في مصر، تتعرض لموجة غزو أجنبي جديد تتزعمه الراقصة اللوذعية الأوكرانية "صافينار - الشهيرة ب "صافيناز" - التي تأخذ على عاتقها "الاستحواذ" على أغلب حفلات مصر "المحروسة". * تاريخ عريق في "هزّ الوسط" في الواقع لم يكن المصريون يتصورون في يوم من الأيام أنه سيأتي زمن تستورد فيه بلادهم الراقصات من بلاد الخواجات، أو أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه ترتيب الراقصة المصرية - شحما ولحما - هو الرابع أو الخامس أو السادس في ترتيب المشهورات القادمات من السويد والأرجنتين وإنجلترا والبرازيل. ولكن هذا هو ما حدث بالفعل مع تزايد ظاهرة اعتزال الراقصات المصريات القدامى، وإعلان الكثيرات منهن "التوبة" والإقلاع عن هذا الفن، ليفسحن الطريق أمام الراقصات الأجنبيات، بما ينقلنه لهذا الرقص الشرقي من عادات ذميمة كالإسراف في الإغراء والحركات غير الأخلاقية. وكانت فترة الثمانينيات قد شهدت اعتزال أكثر من راقصة مصرية من الشهيرات، سواء بسبب كبر السن أو الاعتزال وهن في سنّ الشهرة، بسبب إعلان توبتهنّ وارتداء الحجاب، مثل: سحر حمدي، وهالة الصافي، وعزة شريف، لتدخل فترة التسعينيات، وهناك قرابة ثلاثة أو أربعة فقط من الراقصات المشهورات المصريات، ومع دخول القرن الحادي والعشرين اعتزلت راقصات أخرى "المهنة"، ومن أبرزهن سهير زكي ونجوى فؤاد ولوسي، الأمر الذي دفع بعض معلمي الرقص المصريين من الرجال إلى السفر للخارج لتعليم الأجنبيات اللاتي يقبلن على هذا اللون من الرقص المثير. وعلى سبيل المثال، يعيش أشهر هؤلاء المعلمين الآن في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتقول صحف فنية مصرية: إن لهم فضل تعليم عشرات الأجانب هذه المهنة، وبعضهن تم تصديرهن لمصر لتعويض نقص الراقصات، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام "غزوة الرقاصات" على النحو الذي رفع عدد الراقصات في مصر إلى أرقام تقدر بالآلاف. * "كيتي".. الراقصة الجاسوسة وبمراجعة بسيطة لتاريخ الغزو الأجنبي لمهنة "هزّ الوسط" في مصر، تقفز إلى الذاكرة على الفور الراقصة اليونانية "كيتي"، التي يعتبرها النقاد الفنيون محطة بارزة في تاريخ "الرقص المصري"، حيث ظهرت في أكثر من 40 فيلما مصريا من أفلام الأبيض والأسود، لعلّ أشهرها تلك التي ظهرت فيها مع الفنان الكوميدي الكبير إسماعيل يس أواخر الخمسينيات وطوال حقبة الستينيات. وهي من مواليد محافظة الإسكندرية، تروي الروايات أنها كانت على علاقة ب "رفعت الجمال" - الشهير ب "رأفت الهجان" - رجل المخابرات المصرية الشهير، في بداية حياته، وقد هربت من مصر في ظروف غامضة بعد إشاعة تورطها في شبكة تجسس يهودية لصالح إسرائيل، وقد تزوجت لفترة من المخرج حسن الصيفي، وانقطعت عن العمل في منتصف الستينيات لأسباب غامضة، ولكنها ظلت في مصر، وبالتحديد في حي شبرا العتيق. * انهيار الشيوعية هو السبب وتشير معلومات منشورة إلى أن تاريخ غزو الراقصات الأجنبيات لمصر تحديدا يعود إلى فترة انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما بدأت بعض الفتيات الروسيات في غزو مصر والبلدان العربية بحثا عن عمل، إذ سعى بعض الفنانين المصريين وأصحاب فرق الرقص الاستعراضية إلى الاستعانة بهن في استعراضاتهم، بسبب جمالهن الذي يجذب الجمهور، ورخص أجورهن، وعدم وجود أيّة ضوابط أخلاقية في التعامل معهن. وشكّل الممثل الاستعراضي المصري سمير صبري، أشهر الفرق الغنائية الراقصة من هؤلاء الراقصات الروسيات اللاتي سرعان ما تسرّبن واحدة إثر الأخرى ليتجهن إلى قاعات الرقص والملاهي الليلية المصرية التي تدر عليهن أرباحا خيالية، ليفتح الباب بعد ذلك لقدوم راقصات من السويد وإنجلترا والبرازيل والأرجنتين. * "ظاظا" و"علي زوبة".. وقصة الراجل "الرقاصة" يذكر تاريخ الرقص في مصر أيضا عدم اقتصار مهنة "هزّ الوسط" على النساء، فمع اكتشاف سعة الرزق التي تصاحب "الرقص" انتشرت ظاهرة "الرقاصين الرجالة"، الذين يرتدون بدل رقص شرقي مع أداء رائع لحركات وخطوات وإيقاعات الرقص الشرقي، وكانت لهم شهرة كبيرة جدا، ومن أشهرهم راقص يحتل أفخم الأماكن في مدينة شرم الشيخ، واسمه "ظاظا". لكن التاريخ يأبى إلا أن يقول كلمته في هذه الظاهرة، حيث يكشف أن "ظاظا" ليس هو رائد "الرقص الرجالي"، ولكن الظاهرة موجودة منذ زمن، وتحديداً في فترة الخمسينيات، فكان أشهر راقص شرقي من بورسعيد واسمه "علي زوبة"، وحكايته أنه كان وهو شاب في العشرينيات من عمره، يعشق الرقص الشرقي، وكان يهوى تقليد تحية كاريوكا، ونظرا لوجود قيود عائلية على رقص البنات في ذلك الوقت، وكان عدد الراقصات محدودا، بدأ "زوبة" في الرقص بملابسه في حدود حفلات الأهل والأصدقاء، ثم ذاع صيته إلى أن نصحه أحد متعهدي الحفلات بارتداء "بدلة الرقص"، ونجحت الفكرة، وشقّ الرجل - سابقاً - طريقه عبر الانضمام إلى فرق موسيقية كبرى مرتدياً بدل الراقصات و"الغوايش" لدرجة جعلت "الراقصات" يشعرن بالغيرة منه. * ثروات طائلة المثير أن الكثيرات منهن قد جمعن ثروات طائلة من "هزّ الوسط" في زمن قياسي، بل إن هناك من جمعت ثروة ثم عادت لبلادها واختفت عن الأنظار، ما يؤكد أن الهدف هو جمع المال، وليس ما كان يردّده بعضهن عقب بدء ممارسة الرقص من أنهن يعشقن هذا "الفن"، وليس غرضهن المال فقط. ومن أشهر الراقصات الأجنبيات في مصر - وأغلبهن يتخذن أسماء شبه عربية - السويدية "سماسم" التي أجرت معها مجلة "المصور" المصرية منذ عامين حوارا قالت فيه إنها مستاءة من تدهور فن الرقص الشرقي المصري، ومعترفة بأن الراقصات الأجنبيات من أهم أسباب فساد الأذواق، وضياع أصول هذا الفن الجميل. وهناك الأرجنتينية "أسمهان" التي تعتبر نفسها الرابعة في ترتيب الراقصات في مصر، والبرازيلية "كاميليا"، والأمريكية "ساكتي"، والروسية "كاتيا"، والأيسلندية "سونيا"، والإسبانية "إيفا"، وكلهن جمعن ثروات كبيرة وفقا لما تؤكده المجلات الفنية المصرية. وجدير بالذكر أن أرباح الراقصات في مصر تقدر بالملايين، وتنشر كل عام أخبار عن مصلحة الضرائب المصرية في الصحف، تؤكد تهرب الكثيرات منهن من دفع ملايين الجنيهات، وبطبيعة الحال لا يقتصر الربح الوفير من الرقص الشرقي على الأجنبيات، بل يتعداه إلى المحترفات المصريات، فأحد تقارير مصلحة الضرائب المصرية يشير إلى أن الراقصة المصرية "دينا" - التي تعد من أشهر الراقصات المصريات الآن - وصلت ثروتها إلى 58 مليون دولار، وأن رصيدها في البنوك فقط 17 مليون جنيه، بالإضافة إلى مقتنيات من الماس والذهب تقدر ب 20 مليون جنيه، بينما قد نفت الراقصة تلك الأرقام تماما فيما بعد، بيد أنها لم تنكر ارتفاع حجم ثروتها. ومع تقديرنا الكامل لهذا التبادل الفني، إلا أن هناك علامة استفهام كبيرة: لماذا لا تزدهر في مصر إلا "الرقاصات" الأجانب؟!، فلم نسمع في يوم من الأيام عن سطوع نجم عالم كيمياء أو فيزياء مثلاً.