في تلك الليلة لم يكن السجين "إسلام" المحكوم عليه بالمشدد 10 سنوات في قضية اتجار في المخدرات كعادته.. بدأ منذ الساعات الأولي في ذلك النهار حزينا.. مكتئبا.. منطويا يحاول الابتعا عن رفاق العنبر من زملائه السجناء.. حاول البعض منهم التقرب إليه لمعرفة سر أحزانه لكنه تجنبهم ليختلي بنفسه وينزوي عن الأنظار. عندما أتاه المساء. وحان موعد اخلاء ساحة السجن وايداع السجناء عنابرهم لاغلاقها لم يبرحه الحزن ولم يفارقه الاكتئاب.. توجه إلي سريره دون أن يتغيره حاله مما لفت انتباه الكثيرين من السجناء. لم يكن أحد يعلم سر الحزن الذي انتابه في تلك الليلة سواه.. في هذه الاثناء استلقي علي الفراش واغمض عينيه يستعيد ذكريات طفولته فهو الابن الوحيد لرجل أعمال ثري رباه علي الثراء وأغرقه في الدلال.. لم يحرمه من شيء. كبر إسلام والتحق بالمدرسة الثانوية.. كان حلم أبيه ان يراه مهندسا يدير له مصانعه بعد تخرجه لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن كما يقولون في الأمثال! في الثانوية العامة تعرف اسلام علي البعض من زملاء المدرسة من أبناء ولاد الذوات والأثرياء الذين سلك معهم طريق الشيطان وانزلقوا في براثن الخطيئة.. معهم احتسي أول كوؤس الخمر في "قعدة كيف" وبصحبتهم تعلم كيف يحشو السجائر بالمخدرات ولأن قعدة الكيف تتطلب الكثير من المزاج استدرجوه لتعاطي الاقراص المخدرة وأصبح اسلام واحدا من مدمني كل أنواع الصنف خمور.. حشيش.. أقراص مخدرة فأهمل دراسته وفشل في الحصول علي الثانوية العامة وبدد حلم الأب. حاول الأب احتواءه وفشل.. حاول علاجه وأدخله احدي مصحات علاج الادمان لكن الابن لم يمتثل للعلاج وترك البيت وهرب. لم يجد أمامه سوي أبواب رفاق السوء.. وتعددت بينهم لقاءات الكيف وجلسات المزاج وبعدما اصبح مدمنا لم يستطع الصرف علي تكاليف الإدمان. فكر أول ما فكر في أموال والده لكن الأب رفض اعطاءه الفلوس وتوقف عن الانفاق عليه فلجأ اسلام إلي سرقته.. تسللت يداه لخزينة الأب وأخذ ما يكفيه واكتشف الاب السرقة ورفض الابلاغ عن فلذة كبده. انفق كل ما سرقه من فلوس علي اصدقاء السوء.. حتي أفلس واصبح محتاجا.. أسودت الدنيا في عينيه وفكر مع احد اصدقاء "الكيف" في الاتجار في المخدرات.. اعتقد انها التجارة الرابحة التي يستطيع من خلالها توفير نفقاته والصرف علي "مزاجه" تعرف علي تاجر مخدرات عرف حكايته ووافق علي أن يعمل معه.. وظيفته توصيل الصفقات لتجار التجزئة وعمل إسلام "دليفري" مخدرات وقبض الثمن بضعة جنيهات تكاد تكفي ما يتعطاه. نجح في المرة الأولي سقط في الثانية.. ضبطه رجال مباحث المخدرات أثناء توصيل احدي الصفقات وعاقبته المحكمة بالسجن المشدد 10 سنوات. تفاصيل الجريمة دارت برأس إسلام وهو مستلقي علي فراش الزنزانة فأزداد حزنه وهو يفكر في الانتحار ليتخلص من حياة البؤس والظلام. انتهت حكاية اسلام "ابن الذوات".. نزيل عنبر المخدرات في سجن القناطر لكن حكايات أمثاله من المجرمين والمدمنين لم تنته بعد.