غالباً ما نرى نهاية طريق الإدمان مأسوياً آخرته مصائب وخراب الديار.. حيث يخسر المدمن صحته وحياته العائلية وكل عزيز وغال، وقد ينتهى بالانتحار أو السجن.. ومع هذا.. فإن هناك من استطاعوا التمسك بالبقية الباقية من حياتهم والتراجع عن هذا الطريق قبل الوصول لنقطة اللاعودة، شباب مليء بالثقة والأمل والإرادة استطاعوا السيطرة على ضعفهم، وتغيير مسار حياتهم الذى كان ينحدر للهاوية، والأكثر من ذلك أنهم لم يكتفوا ببناء حياتهم الجديدة، بل يقدمون اليوم يد العون لمن سقط مثلهم فى هذه البئر ويساعدونه على استجماع قوته وتوجيه إرادته للنجاة، ولإيجاد فرصة ثانية للحياة. هؤلاء الشباب رفضوا أن نذكر أسماءهم فى المجلة لأنهم أصبحت لهم اليوم أسر وأولاد، ولأنهم أجمعوا على أن قصصهم هى الأهم وقد تكون مصدر إلهام لغيرهم وليس أسماؤهم. • تعبى فى كفة وحياتى كلها فى الكفة الثانية س.م يبلغ 37 من عمره، يملؤه التفاؤل والثقة والاحترام، فى نفس الوقت يعمل محاضراً ومعالجاً للإدمان ويتبع لصندوق مكافحة الإدمان.. خلف هذه الطلة المشرقة مشوار طويل من العذاب والمعاناة ورحلة شاقة مع الإدمان، استمرت ثلاثة عشر عاماً، ويروى سيد حكايته قائلاً: عندما بدأت رحلة الإدمان كنت فى السادسة عشرة من عمرى وكان أبى موظفاً بسيطاً وتركت المدرسة وأنا فى الصف الثانى الثانوى وعملت فى كل شيء يخطر ببالك، وأصبح لى دخل ثابت، وفلوس خاصة بى فى هذه السن الصغيرة، وأصبحت أتنقل بين المحافظات، وتعرفت على ناس كثيرة منهم من يتعاطى البانجو والحشيش لزوم السهر فى السفر، وكان عندى استعداد لتجربة كل جديد وعملت لدى شركة أجنبية فى النقل، فبدأت أيضاً فى شرب الخمور وتعاطى الترامادول ثم الهيروين، والمشكلة أنه فى كل خطوة فى هذا الطريق يعتقد المدمن أنه يستطيع التوقف عن التعاطى فى أى وقت. إذاً متى كانت نقطة التحول؟ قال: نقطة التحول عندما شعرت بالرعب حينما رأيت أصدقائى المدمنين يقتلون لأجل السرقة، خاصة أننى انهرت من تأثير الهيروين صحياً وذهنياً، وفقدت عملى، هنا وقفت وقفة لأنى لا أريد أن أصبح مثلهم أسرق أو أصل للقتل وسألت نفسي: هل هذا ما كنت أتمناه لنفسى عندما قبضت أول جنيه من عملي!!! ولجأت فوراً لأهلى ليعالجونى خوفاً من أن أصبح قاتلاً يوماً، أدخلونى مستشفى المطار، وتلقيت العلاج هناك، تعبت جداً جداً أثناء مرحلة العلاج، ولكن الأمر كان يستحق التعب، فقد كان فى كفة، وحياتى كلها فى الكفة الثانية، وكانت رحلة شاقة ولكن إرادتى ومساندة أهلى أوصلتنى للشفاء والتعافى من الإدمان بعد ثلاثة أشهر، بعدها أصبح عندى أمل وطاقة وأردت أن أساعد غيرى، وجاءت لى الفرصة عندما اتصلت بى الدكتورة ليلى عبد الجواد من الخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان التابع لمجلس الوزراء، لأنهم اعتبرونى من الفئة المميزة التى تعافت من الإدمان لأساعدهم فى العلاج النفسى للمدمنين وأستغل تجربتى مع الإدمان فى إنقاذ الحالات المتشابهة لحالتى لأساعدهم بعرض تجربتي ودربونى وشجعونى فى الصندوق وأخذت دبلومات متخصصة فى هذا العلاج واشتغلت على نفسى كثيراً، وأصبح هذا هو عملى ومورد رزقي.. أجتهد فيه لأفيد نفسى ومن حولى ومرت 7 سنوات على هذا وتزوجت منذ 4سنوات، وأصبح لى ابنة صحيح أن الدخل بسيط لا يتعدى بضع مئات ولكن يكفينى الصحة والستر والقدرة على العمل كأن الله كتب لى عمرا جديداً. • تزوجت البودرة ومن أجرأ من تحدثت إليهم فتحى عبد الغنى الذى لم يعترض على ذكر اسمه، ولكنه رفض نشر صورته، يبلغ 32 عاماً يحكي: كنت من عائلة غنية وميسورة، بدأت من الإعدادية الإدمان، عشقت السجائر ثم البيرة وكل أنواع الانفلات، وساعدنى أننا كعائلة لنا محلاتنا وأعمالنا الحرة وأبى مسافر معظم الوقت، وأمى لا تستطيع السيطرة علينا واستمتعت بكل الملذات وكنت شخصية قابلة للإدمان وهو ما علمته الآن، جربت كل شيء وأنا فى السنة الثانية فى أحد المعاهد وإخوتى أيضا كانوا يتعاطون الحشيش ثم الترامادول، ووصل الأمر بنا الى إدمان الهيروين وفقد السيطرة على أنفسنا إلى أن أصبحنا نتعاطاه سوياً، فتبخرت أموالنا وتدهورت حالتنا، بعنا سياراتنا ومحلاتنا ولجأنا للسلف لشراء المخدرات وأذكر منظر أمى وهى تعيسة ومذلولة ودايخة بينا على الدكاترة، فقد كانت هى الوحيدة السليمة فينا، وموقفها هذا هو ما جعلنى أصمم على الإقلاع عن المخدرات وهو ما استلزم ألماً جسدياً ونفسياً عميقاً والحمدلله عولجت فى المستشفى، والأكثر من ذلك أن صندوق مكافحة الإدمان تواصل معى لأكون مشاركا فى المعالجة النفسية للمدمنين، وبدأت أشاركهم تجربتى وكيف خسرت حياتى بإدمانى، وأننا نستطيع التوقف فى أى وقت وعلينا تحمل الألم لأن حياتنا تساوى الجهد، وأنا الآن أبحث عن زوجة بعدما كنت متزوجاً البودرة. • ابنى متربى أحسن تربية بدأ أحمد 40 سنة حديثه بقوله: كلما كان أبى يثور لتأخرى خارج البيت عندما كنت طالباً فى كلية التجارة، كانت أمى تعترض وتقف فى صفى وتقول: «أنا ابنى متربى أحسن تربية».. وتغطى على سهرى وشربى، فأنا من أسرة كبيرة وغنية ولها وضعها الاجتماعى والولد الوحيد بعد أربع بنات، كانت شلتى «ضايعة»، كنا معاً فى الكلية والنادى نتعاطى الحشيش والترامادول ثم الكوكايين بعد ذلك، وسحبت أموالاً طائلة ورسبت فى الجامعة ومرضت أمى من حزنها على حالي ومن خناقاتها مع أبى وحاول هو علاجى فى مستشفى فتعبت جداً وهربت وأقنعته أنى تعافيت ثم سرقت للمال من أبى وهربت وعملت مع صديقى فى مساعدة الدييلر الذى يبيعنا المخدرات، ثم تم القبض على صديقى فخفت ورجعت لبيتى قبلت قدم أمى وتحملت لوم أبى وطلبت أن أذهب للعلاج، وبالفعل لى اليوم أكثر من 10 سنوات لم أتعاط فيها مخدرات أو حتى سجائر وأكملت دراستى وعملت كمحاضر فى جلسات علاج الإدمان ليستفيد الشباب من تجربتى. • كنت دلوعة البيت «و. ى» الابن الأصغر بعد أربعة أولاد تخرجوا فى الجامعة و«دلوعة البيت» على حد قوله وكان أبوه يشرب الخمر فيسرقها هو من دولاب أبيه ويضعها فى زمزمية المدرسة.. توفى والده ووالدته فى حادث وبعد عدة سنوات تزوج إخوته وتركوه وحيداً فى البيت وكان فى الثانوية العامة.. يقول: فتحت البيت للسهرات والحشيش والبودرة، إلى أن جاء يوم وتوفى أحد أصدقائى فى حادث على كوبرى 6أكتوبر وهو عائد من سهرة من سهراتنا فجراً وهو تحت تأثير المخدرات، فحدثت لى صدمة وتخيلت نفسى منتحراً أو ميتاً بجرعة زائدة، فاتصلت بأخى الذى ساعدنى وعالجنى فى مستشفى المطار، والتزمت وأحطت نفسى بالزملاء المحترمين، بل وأصبحت اليوم أساعد الشباب الذين سقطوا فى بئر الإدمان على الخروج منه، وسبب نجاحى أنى أفهمهم لأنى مررت بتجربتهم ويشعرون هم بذلك ويتفاعلون معي وأقول لهم ليس شرطاً أن يكون طريق الإدمان ذهاباً فقط دون رجعة، بل بإرادتكم يصبح ذهاباً ثم عودة.•