سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكايات الناجين من الإدمان فى مستشفى العباسية وحدة الإدمان تنظم جلسات للمتعافين لمساعدتهم على عدم العودة للإدمان.. و«رمضان» يتحول من الإدمان إلى مشرف فى الوحدة
اجتمعوا معاً خلف جدران مستشفى العباسية لا يجمع بينهم سوى «الإدمان» خضعوا لبرنامج تأهيلى مدته 90 يوماً، يدعون ربهم كل صباح أن يمر اليوم دون تعاطى المخدرات، تحولت حياتهم بعد العلاج إلى صفحة بيضاء، وانتقلوا من مرحلة الغيبوبة الاختيارية إلى الوعى الكامل، وتغيرت نظرتهم للحياة واعترفوا بذنبهم فى حق أنفسهم، وأسرهم، والمجتمع، يذكرون أنفسهم بأنهم مدمنون حتى لا يعودون إلى ما كانوا عليه قبل التعافى. «الوطن» التقت بعض المتعافين من الإدمان عقب خروجهم من وحدة الإدمان فى مستشفى العباسية للحديث عن تجربتهم القاسية مع الإدمان وكيفية شفائهم منه. يدخل المدمنون إلى مستشفى العباسية بشكل اختيارى عن طريق الخط الساخن أو العيادات الخارجية، وتبدأ رحلة العلاج فور احتجاز المريض بالقسم، ويمر بمرحلة صعبة تتمثل فى إزالة السموم من الجسم لمدة 10 أيام بعدها تبدأ مرحلة التأهيل الفكرى والنفسى من خلال برنامج «ال12 خطوة». وسط المتعافين جلس رجل أربعينى يدعى رمضان، يميل لون وجهه إلى السمرة، من الإسكندرية، يكبر كل الموجودين سناً، يحترمونه ويوقرونه، ويتخذون منه قدوة لهم بعد أن تعافى من الإدمان واستطاع أن يكون مشرفاً بالوحدة لمساعدة باقى المدمنين على العلاج، يقول رمضان بابتسامة: «أدمنت وعمرى 9 سنين، حاولت أبطل ما عرفتش، لدرجة إنى اتعالجت من الإدمان 14 مرة، منهم مرة قعدت فيها 3 سنين من غير ما أتعاطى لكن حصلت لى انتكاسة ورجعت أتعاطى مخدرات مرة تانية، لحد ما ربنا كرمنى من سنة ونص وخضعت للبرنامج التأهيلى ال12 خطوة للابتعاد عن الإدمان». يتنهد «رمضان» ويرجع ظهره للخلف ويتذكر أيام تعاطى المخدرات قائلاً: «حياتى لم يكن لها طعم أو معنى أثناء الإدمان كنت إنساناً مغيباً هوائياً لا يفكر إلا فى التعاطى، أما الآن فأفتح عينى الصبح أدعى ربنا وأقول، يارب ساعدنى ما أشربش مخدرات النهارده، لازم الواحد يفكر نفسه إنه مدمن عشان يقاوم نفسه، السموم تخرج من الجسم خلال أسبوع واحد لكن أزمة الإدمان فى الفكر، الإدمان بالأساس مرض فكرى، لذلك أفعل 5 أشياء كل يوم، الدعاء، ومشاركة زملائى المتعافين فى كل أمورى، والحرص على مقابلتهم فى أماكن مخصصة لذلك، ووضعى كمشرف يساعدنى على الابتعاد عن التعاطى وهناك مقولة جيدة تقول نحن لا نحتفظ بما لدينا إلا بتقديمه للآخرين، مشاركتنا مع بعضنا لا تدور فى صورة نصائح لكن تكون اقتراحات فقط». يلتقط منه طرف الحديث محمد، يبلغ من العمر 27 سنة، من منطقة إمبابة فى الجيزة: «عندما جئت هنا، شعرت إنى إنسان، معاملة والدتى ليا اتغيرت وأصبحت تثق فيا، ابتسامتها فى وجهى أحسن حاجةج فى الدنيا، قبل ذلك، لم أكن أشعر بأمى، الآن أحب أمى وأخواتى، كل تفكيرى كان يتلخص فى كيفية الحصول على المخدرات، لذا فعلت كل شىء تتخيله، من سرقة لبلطجة، المخدرات آخرها السجن أو الموت». محمود، شاب عشرينى من الزاوية الحمراء، حسن المظهر، يقول بصوت هادئ: «قبل التعافى كنت بدعى الله، كل ما أعدى على كمين إنه يعدينى منه على خير، المدمن بيكون مش فى وعيه وبيسرق وبيعمل بلاوى زرقا ولا بيصوم ولا بيصلى وبيكون بعيد عن ربنا، جرام المخدرات كان بيوصل ل120 جنيه كنت بعمل أى شىء لتوفير المخدرات، تعاطى المخدرات يبدأ مزاج ومع الأيام بيكون علاج، بيأثر على مناعة الجسم ويصيبه بالإرهاق الشديد، أنا الآن أرغب فى الحياة مثل الناس الطبيعية، حاسس إنى اتولدت من جديد وبقيت بنى آدم تانى، بعد العلاج من الإدمان، أنا لم أتعاطَ مخدرات منذ 3 شهور وأريد أن أكملهم 3 سنين وبعدين 6 سنين، مات لى أصدقاء بسبب ضرب جرعات زيادة ومع ذلك لم أتعظ، ماتوا بجوارى وهمّا بيضربوا مخدرات، كنا بندفنهم النهارده وتانى يوم نروح نضرب مخدرات وكأن الموضوع عادى». يصمت «محمود» عن الحديث قليلاً قبل أن يكمل: «فكرة تنظيم اجتماعات دورية للمتعافين خارج وحدة الإدمان أفضل طريقة لإبعاد الشباب عن الإدمان، لأن فى هذه الجلسات يصارح كل شاب مدمن زميله بما ينوى القيام به وكيف يفكر، فى الأعياد يأتى المدمنون المتعافون إلى هنا خوفاً من إقدامهم على تعاطى المخدرات، لذا نطلب من أهالينا أن تصبر علينا ومحدش يخنقنا لأننا ممكن بسهولة جداً نرجع للمخدرات، إحنا هنا بقينا أسرة واحدة وقريبين من بعض جداً لكن إذا قابلنا بعض فى الشارع لا نستطيع الاقتراب من بعضنا إذا تقابلنا بالصدفة، فمثلاً لو رأى أحد زميله هنا فى الخارج بصحبة خطيبته لا يصح أن يسلم عليه حتى لا يفضحه بعد أن تاب عليه ربنا من الإدمان». «صبحى»، يبلغ من العمر 30 عاماً، من الجيزة يقول: «عدد المتعافين من الإدمان قليل جداً، إذا ما قورن بالشباب المدمن غير المعالج، وهذه الأعداد نراها فى دواليب تعاطى المخدرات فى القليوبية لو فيه ناس بتفرق لحمة مش هيقفوا عليها كدا زى ما بيقفوا على المخدرات، وطبعاً عشان ناخد الجرعة ممكن ننضرب ونتشتم بأفظع الشتائم، ضغط العمل يضطر الإنسان أحياناً إلى اللجوء إلى المخدرات لمساعدته على العمل تحت ضغط، أنا مثلاً كنت شغال فى الأحذية، بيكون مطلوب منى أخلص 20 جوز فى وقت قصير جداً، المخدرات تجعلنى أستمر يومين بلا نوم، وأنسى أى تعب فى الجسم». ويقول علاء نبيل، يبلغ من العمر 25 سنة، رئيس تمريض قسم التأهيل بوحدة الإدمان، وأصغر رئيس قسم تمريض فى مصر: «ننفذ برنامجاً كاملاً للمريض منذ بداية دخوله المستشفى ينقسم إلى مرحلتين، الأولى للتخلص من السموم والثانية للتأهيل من خلال تطبيق برنامج ال12 خطوة، وبالتالى نتقبل من المدمن أى تصرف فى المرحلة الأولى لأنه غالباً لا يكون فى وعيه، ويصاب بتعب جسمانى كبير، بسبب انسحاب السموم من الجسم يصاب المريض فى أول أسبوع بشعور متناقض وارتفاع فى درجة حرارة الجسم وبعض الآلام وفقدان الشهية، وارتفاع ضغط الدم وانخفاضه، فى تلك المدة يصرف الأطباء فى الوحدة بعض الأدوية لكل عرض مثل مضادات الاكتئاب والصرع وآلام المعدة». ويضيف: «درجة استجابة المدمنين فى مصر للعلاج أصبحت كبيرة لأن وصمة العار التى كانت تلاحقهم لم تعد موجودة مثل السنوات الماضية، يأتى المريض إلى هنا بشكل إرادى للتعافى لكن بعض الأهالى لا يقدرون قيمة التعامل مع المريض بعد التعافى، لذلك ننظم محاضرات دورية للأهالى، ونستعين ببعض المتعافين القدامى للإشراف على المرضى لأنهم أقدر الناس على فهم المدمنين». رجل يتحدث عن تجربته مع علاج ابنته من الإدمان قائلاً: «ابنتى أدمنت لمدة 4 سنوات وطوال تلك المدة كنت باكياً على الدوام، أنا لا أدخن ولا أتناول حتى الشاى، لكن بنتى أدمنت وحولت حياتى إلى جحيم، ثقافة العلاج من الإدمان متاحة فى مجتمعنا للشباب لكن بالنسبة للبنات بها بعض المحاذير، الكثير من الآباء يدفنون رؤوسهم فى الرمال، لكن كان لازم تتعالج ولما دخلت وحدة العباسية تحول حزنى إلى فرح وتعافت ابنتى وقضت 90 يوماً كاملة، وأنا ممتن لكل من ساعد ابنتى على الشفاء». من جانبه، يقول الدكتور عبدالرحمن حماد، مدير وحدة الإدمان بمستشفى العباسية: وحدة إدمان العباسية أكبر وحدة لمعالجة الإدمان على مستوى الجمهورية، حيث تضم 150 سريراً منها 30 سريراً للسيدات، ويصل عدد المتعافين بالوحدة كل شهر إلى 20 حالة فى الفئات العمرية بين 18 و 45 سنة، واستطعنا مؤخراً مساعدة مريض يبلغ من العمر 56 سنة على التعافى، والتقارير الطبية تشير إلى أن نسبة المدمنين من أبناء الطبقة الفقيرة تبلغ 60%، وأن 39% منهم من الطبقة المتوسطة و1% فقط من الطبقة الغنية، ويعالج لدينا الآن فى الوحدة 80 رجلاً و10 سيدات، ونعمل حالياً على التوسع فى الوحدة خلال الشهور المقبلة، كما عالج الأطباء فى العيادات الخارجية 10 آلاف مريض فى العام الماضى وبلغ عدد المرضى الذين دخلوا القسم نحو 1000 حالة فى 2013. ويقول الدكتور سامح حجاج، نائب مدير مستشفى العباسية للتطوير الطبى: ««الإدمان مرض مزمن لا يمكن الشفاء منه لكن يستطيع المتعافى الابتعاد عنه بالعلاج الفكرى والروحانى، المستشفى ليس سجناً نلقى به المريض، بل نعمل جدياً لعلاجه، وتبلغ نسبة الشفاء من الأمراض النفسية حوالى 80%، بعد خضوعهم للعلاج والتأهيل، والمشكلة الكبرى تكمن فى عدم وجود أرقام حقيقية حول الأمراض النفسية مثل الفصام والوسواس القهرى والتوحد والاكتئاب، ومع مرور السنوات تتزايد هذه الأعداد بشكل كبير ويبلغ عدد مرضى الفصام فى مصر حوالى 900 ألف مواطن، بينما يبلغ عدد المدمنين حوالى 9 ملايين فرد، وعلينا أن نفرق بين المدمن والمتعاطى، فالأخير لا يداوم على تناول المخدرات كل يوم ولن تحدث له أى مشكلات عصبية أو نفسية إذا لم يتناولها عكس المدمن، ولو أضفنا المتعاطين غير المرضى المزمنين لتخطت الأعداد 20 مليون فرد».