من القيم الاسلامية الاصيلة: قيمة الرفق وذلك لما للرفق من أثر عظيم في استمالة القلوب. وتحقيق الهدف المطلوب وتنمية روح المحبة والتعاون بين الناس. والرفق: ضد العنف. وهو لين الجانب بالقول والفعل. والاخذ بالطريقة الاسهل في جميع الامور. وقد دلت النصوص الشرعية علي أهمية هذه القيمة فأرشدت الانسان إلي سلوك طريقها وضرورة الابتعاد عن العنف لضرره البليغ علي الافراد والمجتمعات. والله تعالي هو "اللطيف" ومن معاني هذا الاسم: الرفيق بعباده لذلك خلق الانسان مكرما بالعقل وطلب منه عمارة الكون ويسر له سبل ذلك. وارسل إليه الرسل وانزل الكتب لهدايته لما فيه السعادة في الدنيا والآخرة ولما كلفه بالتكاليف الشرعية كلفه بما يستطيع ثم أعانه علي أداء هذه التكاليف كل ذلك رفقاً منه تعالي بعباده فالشريعة مبناها علي اليسر لا العسر. ورفع الحرج عن المكلفين. قال تعالي: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" "الحج: 78". والقرآن الكريم يرشدنا من خلال آياته إلي التخلق بخلق الرفق. ورد هذا في قصة سيدنا موسي مع فرعون. فقد قال تعالي مخاطباً موسي وهارون عليهما السلام آمرا لهما بالتمسك بالرفق واللين في حوارهما مع فرعون: "اذهبا إلي فرعون إنه طغي* فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشي" "طه: 43. 44" وذلك ترغيباً له في قبول الحق والايمان. فالرفق شعار الدعوة إلي الله دائماً. ولا ريب ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ضرب لنا المثل الاعلي في الرفق سواء مع نفسه أو مع غيره ولم لا يكون كذلك وقد امتن الله سبحانه وتعالي عليه وعلي أمته بذلك فقال: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" "آل عمران: 159" والناظر في السنة النبوية المطهرة يجد كثيراً من الاحاديث الشريفة تحض علي التخلق بالرفق فمن ذلك: ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالي عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: "يا عائشة عليك بالرفق فإن الرفق لايكون في شئ إلا زانه ولا ينزع من شئ إلا شانه" "صحيح مسلم" وعنها ايضاً: أن رسول الله صلي الله عليه سلم قال: "يا عائشة إن الله رفيق يجب الرفق ويعطي علي الرفق ما لايعطي علي العنف وما لايعطي علي ما سواه" "صحيح مسلم". والرفق يتمثل به الانسان في كل أحواله وجميع تعاملاته. مع نفسه ومع غيره. ويمتد ليشمل الكون بأسره. أما رفق الانسان بنفسه. فنراه في التوجيه النبوي للنفر الثلاثة الذين ذهبوا إلي بيوت أزواج النبي صلي الله عليه وسلم يسألون عن عبادته عليه الصلاة والسلام فكأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من النبي صلي الله عليه وسلم فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبداً فلما جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما والله إني لاخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر. وأصلي وأرقد. وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" "متفق عليه". وأما الرفق مع الناس. فله صور متنوعة منها: الرفق مع الجاهل. يرشدنا إلي ذلك نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم في قصة الاعرابي الذي بال في المسجد حيث منع الصحابة ان يقطعوا عليه البول. ثم دعا بدلو من ماء فصب عليه".. "متفق عليه" وأما الرفق بالاكون فنراه في الرفق بالحيوان. ومن ذلك: عدم اتخاذه غرضاً فقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن اتخاذ شئ فيه الروح غرضاً يرمي بالسهام. "صحيح مسلم". ومن الرفق بالاكوان أيضاً: المحافظة علي البيئة وعدم تلويثها سواء الماء أو الهواء أو التعدي علي النباتات والاشجار. إن قيمة الرفق ينبغي ان تكون اسلوب حياة. يستخدمه الانسان في جميع تعاملاته وفي شتي جوانب حياته مستلهماً ذلك من تطبيقاتها المتنوعة التي وردت في السيرة النبوية العطرة. وتجسيداً لما ورد في القرآن الكريم وبهذا تظل صورة الرفق عالقة في الاذهان. ومرتبطة بسلوك نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم. اللهم الطف بنا في جميع أمورنا وخلقنا بهذا الخلق القويم.