لله سبحانه وتعالي صفات كمال وجمال وجلال والتعلق والتحقق بهذه الصفات أسس الايمان من حب ورجاء وخوف. فالعبد يحب الله لصفات كماله ويرجوه لصفات جماله ويخافه لصفات جلاله والعبد يتخلق بصفات الجمال ويعلم ان الله يحب أن يري منه في خلقه وسلوكه تلك الصفات والمؤمن بالعلم والحلم والعقل والعمل والرفق واللين والصبر يحظي الفضائل ويصل إلي ربه سالما ان شاء الله. والرفق صفة جمال من صفات ربنا سبحانه وتعالي أخبر بذلك النبي صلي الله عليه وسلم وهو يعلم السيدة عائشة ويحثها علي التخلق بها. فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي علي العنف" رواه مسلم. وقد يظن بعض الناس عن طريق الخطأ ان العنف محمود في شريعة الاسلام وان الله يعطي علي العنف أجرا وثوابا وانما العنف المذكور في الحديث هو الشدة في مواجهة المعتدين وذلك علي نحو قوله تعالي "محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا" الفتح 29 وقوله سبحانه "يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة" التوبة 123 وقوله سبحانه "فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا" "الاسراء 5". فالشدة والبأس لا تطلب من المسلم إلا في أوقات قليلة وهي أوقات الالتحام في المعارك كما بينا أما الرفق فهو المطلوب في كل الأوقات والمطلوب في كل الأشياء وهو لا يزيد الشيء اذا دخل فيه إلا جمالا وزينة وإذا خرج منه كان الشيء مشينا غير مستساغ ولذا أخبر النبي صلي الله عليه وسلم ذلك لعائشة وهو يعلمها فضل الرفق فقال: "يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شأنه" "رواه مسلم وأبوداود واللفظ له" وقال صلي الله عليه وسلم: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" "رواه البخاري ومسلم". ولذا من حرمه الله الرفق فلا خير فيه وهو محروم من كل الخير لأن الرفق باب الخير ولذا نري رسول الله صلي الله عليه وسلم يعلمنا ذلك فيقول: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله" "رواه مسلم". وأخبر بذلك السيدة عائشة رضي الله عنها فقال صلي الله عليه وسلم "يا عائشة انه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة" "رواه أحمد" وعنه صلي الله عليه وسلم في توصيته للسيدة عائشة رضي الله عنها "ارفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم علي باب الرفق" "رواه أحمد". وقد بشر النبي صلي الله عليه وسلم الرفيق اللين السهل بالنجاة من النيران فقال صلي الله عليه وسلم "ألا أخبركم بمن يحرم علي النار أو بمن تحرم عليه النار. تحرم علي كل هين لين سهل" وفي رواية "إنما تحرم النار علي كل هين لين قريب سهل" "رواه ابن حيان في صحيحه" وكان يطلب في دعائه صلي الله عليه وسلم الرفق لمن رفق بأمته فكان يقول "ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به" "رواه مسلم". ولم يقتصر الرفق علي أمور الدنيا وحدها بل امتد طلبه حتي في التوغل في الدين والاستزادة منه فأمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بالرفق في ذلك فقال "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" "رواه أحمد والبيهقي في الشعب". وأقرب سبيل للوصول إلي الرفق كظم الغيظ وعدم انفاذه ويعلمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك ويحثنا عليه فيقول: "من كظم غيظا وهو يقدر علي انفاذه ملأ الله قلبه أمنا وايمانا ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه تواضعا كساه الله حلة الكرامة ومن زوج لله توجه الله تاج الملك" "رواه أبوداود في سننه". وقال صلي الله عليه وسلم "ما جرعة أحب إلي الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظمها عبد إلا ملأ الله جوفه إيمانا" "ابن أبي الدنيا". فكظم الغيظ والحلم سبيل الرفق. والرفق من فضائل الأخلاق نسأل الله أن يجعلنا من الرحماء الرفقاء وأن يرفق بنا في أمرناكله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.