يوجد في مصر أكثر من مائة حزب سياسي. أغلبها غير معروف حتي لدي مؤسسي هذه الأحزاب أنفسهم. فما بال المواطن العادي المفترض أنه محور اهتمام أي حزب والذي لم يشعر بتلك الأحزاب الكرتونية والتي في أغلبها مجرد يافطة علي واجهة غرفة فوق السطوح أو شقة في زقاق يجتمع بها كل حين بضعة أعضاء لا يتعدون أصابع اليدين عند كل انتخابات برلمانية لدفع رئيس الحزب للترشح كي يذكر اسمه في وسائل الإعلام ويتم تداوله بضعة أيام بعدها يدخل هو وحزبه الثلاجة وطي النسيان غير مأسوف عليه لأنه لم يشعر بالمواطن فبادل بالفتور أو التجاهل وهذا سبة في جبين المحروسة.. لماذا؟.. لأن مصر أول الدول العربية بل ومنطقة الشرق الأوسط التي لها باع كبير في الأحزاب بل سبقت دولاً عديدة كبيرة في هذا المجال فقد تأسس أول حزب بها في 1879 وهو الحزب الوطني الذي أنشأه العرابيون رغم أن البعض صنفه علي أنه تكتل جبهوي ضد الإنجليز. بعد عام 1907 تأسست خمسة أحزاب بمعني كلمة حزب وهي الجمهوري المصري والأمة والإصلاح والوطني الذي أسسه مصطفي كامل ثم النبلاء أو الأعيان ولكن لم تدم طويلاً لوفاة أصحابها أو لمحاربتها. ليتم بعد ذلك تأسيس أحزاب لها سمعتها ومازلنا نتذكر أغلبها رغم مرور قرن علي تأسيس بعضها كالوفد لدوره الرائد والهام في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية ومنها الوفد 1919 وما انشق عليه مثل الأحرار الدستوريين 1922 والسعدي 1937 والكتلة الوفدية 1942 كأحزاب ليبرالية. بعدها تأسست أحزاب يسارية اشتراكية مثل مصر الفتاة والشيوعي والحركة الديمقراطية ولأنها كانت وطنية تقاوم الاستعمار تولدت أحزاب موالية للملك والسراي كالشعب والاتحاد. ثم تعددت الأحزاب وزادت سخونة وتأثيراً في الحركة السياسية والشعبوية من 1923 وحتي ثورة 1952. لتأتي بعدها مرحلة التنظيم السياسي الواحد حتي 1976 وانتهت بمرحلة التعددية المقيدة حتي 2011 أي مجرد ديكور أمام الحزب الحاكم الأوحد كالوطني أيام مبارك وتلك كارثة مازالت تلقي بظلالها علي الحياة الحزبية في المحروسة.. فما العمل لتنشيط الأحزاب ولكي يكون لها الدور الأبرز والفاعل؟ العمل هو كما جاء علي لسان الرئيس السيسي حينما دعا في مؤتمر الشباب بشرم الشيخ إلي دمج ال 104 أحزاب الحالية في عدد لا يتجاوز 10 أو 15 حزباً بهدف تقوية الأحزاب وإثراء الحياة السياسية وهذا الطرح لاقي ترحيباً من الخبراء والسياسيين بدمج الأحزاب الصغيرة في كيانات أكبر تحتويها وتنصهر داخلها. وهذا معمول به في دول كثيرة. فالمسألة ليست كالعدد في الليمون وإما في العدة والعتاد علي المنابر. وبالتالي اشتداد المنافسة علي مقاعد البرلمان أو علي الرئاسة بين بضعة أحزاب لها ثقلها كما هو حاصل في أنجلترا مثل العمال والمحافظين وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية مثل "الديمقراطي" رمز الحمام و"الجمهوري" رمز الفيل. وفي فرنسا مثل الاشتراكي والجمهوري وفي إسرائيل مثل العمال والليكود. وإن كانت مثل هذه الأحزاب القوية والمسيطرة في الغالب علي مقاعد البرلمان والتي لم تخرج الرئاسة عن أيها. تلجأ كثيراً إلي بقية الأحزاب الأقرب إليها في الأهمية لضمان الحصول علي الأغلبية. لذا فدعوة الرئيس مهمة ويجب علي مؤسس تلك الأحزاب التي هي "بالزوفة" النظر بعين الاهتمام والجدية إذا ما أرادوا الخروج إلي الثور وممارسة الحياة السياسية بحق وبشكل مشرف. وقتها سينضم حزب "الكنبة" إلي الحزب الذي يرضي طموحاته ويلبي آماله. ووقتها سيتعرف عن قرب علي برامج الأحزاب المنصهرة في 10 أو 15 حزباً سيختار ما يناسبه ويقدم له الخدمات. ووقتها سيعمل الحزب الأكثر أغلبية في البرلمان ألف حساب لبقية الأحزاب بل وسيعمل علي استمالتها في صفة والدخول في تحالفات لضمان الاستمرارية والشعبية والقدرة علي خوض المعارك ضد الخصوم السياسيين.. فهل وصلت الرسالة إلي ذوي الشأن؟ أتمني أن تصل.!