بدأت الحياة الحزبية في مصر مع مطلع القرن العشرين، عندما أنشأ الزعيم مصطفى كامل، الحزب الوطني، أول حزب سياسي عام 1907، وخلال عقدين متتابعين من الزمن أُسست بعض الأحزاب كان أهمها حزب الوفد، عام 1918، برئاسة سعد زغلول، ثم حزب الأحرار الدستوريون عام 1922، برئاسة محمد محمود، من مجموعة انشقت على الوفد، وحزب الهيئة السعدية، والذي أسسه كلُ من الدكتور أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي، عام 1938 من مجموعة أخرى انشقت أيضًا على الوفد، وحزب الكتلة الوفدية، برئاسة مكرم عبيد، الذى انشق على الوفد وأسس حزبه عام 1942، وهنا يظهر الصراع متجليًا وملتصقًا وملازمًا للأحزاب المصرية منذ النشأة وحتى اللحظة التي نعيشها. أحزاب صنعها القصر ظهرت في نفس الحقبة من الزمن مجموعة أخرى من الأحزاب التي اصطنعها القصر، وهي حزب الاتحاد الذي تأسس عام 1925، برئاسة يحيى إبراهيم، وحزب الشعب عام 1930، برئاسة إسماعيل صدقي، ثم اندمجا في حزب واحد باسم الاتحاد الشعبي سنة 1938، برئاسة محمد حلمى عيسى، وقامت هذه الأحزاب بدور واضح في الألاعيب والمناورات السياسية بين البريطانيين والقصر وحزب الوفد، وأيضًا لم تنجو هذه الأحزاب ذات النوايا الخبيثة من الصراعات الداخلية طول الوقت حتى اختفت بقيام ثورة 23 يوليو 1952، حيث أصدرت الثورة قرارها بحل الأحزاب السياسية في يناير 1953. السادات وعودة الأحزاب اهتم الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1970- 1981م)، بعودة الحياة الحزبية، ودعا إلى تأسيس ثلاثة منابر عام 1976، ثم صدر قانون الأحزاب سنة 1977، والذي سمح بتأسيس الأحزاب من جديد، وقد بلغ عدد الأحزاب السياسية التي تأسست خلال هذه المرحلة 24 حزباً، اختلفت فيما بينها من حيث النشأة منهم ثلاثة منابر تحولوا إلى أحزاب وهم حزب مصر العربي الاشتراكي 1977، وحزب الأحرار الاشتراكيين 1977، وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي 1977، والثلاثة عانوا - وما زالوا- من الصراعات الداخلية على رئاسة الحزب، والخارجية في الاشتبارك مع نظرائهم. ثورة يناير والانفتاح الحزبي نجحت ثورة 25 يناير فى إسقاط نظام مبارك، والإطاحة بالحزب الوطني الديمقراطي، ليقف المصريين أمام خريطة سياسية جديدة بعد إعلان الكثير من الأطياف والتيارات السياسية خوضها التجربة الحزبية من خلال تأسيس أحزاب جديدة، وهو ماجعل عدد الأحزاب في مصر يتخطى المائة حزب سياسي، فيزداد العدد وبالتبعية تزداد الصراعات داخل هذه الكيانات التي لم تنجح مرة واحدة في الوصول للهدف الذي تكونت من أجله وهو إثراء الحياة السياسية والتنافس لمصلحة المواطن لا لمصلحة شخصية أو وجاهة زائفة. حزب الوفد.. الصراع الأبدي حصل حزب الوفد على نصيب الأسد في كم الصراعات التي شهدتها الأحزاب المصرية، فمنذ تأسيسه الأول عام 1918 ولحقت به الانشقاقات التي ظلت تلازمه حتي يومنا هذا، آخرها إعلان بعض المنشقين - تيار إصلاح الوفد- عن فتح مقر جديد ، للضغط على الدكتور السيد البدوي، للرحيل عن رئاسة الحزب، وهذا ما أكده عصام شيحة، القيادي بتيار إصلاح الوفد، في تصريحات صحفية، إنَّهم أخذوا قرار بفتح مقر لتيار الإصلاح، ليكون مقرًا للحزب، قائلًا، "لا نعترف بشرعية البدوي ونرى أننا من نمثل الوفد بمبادئه وقيمه وتاريخه وحزب الوفد سيكون حيث نكون، واللي في بولس حنا ده دكان السيد البدوي وليس حزب الوفد". حزب مصر العربي الاشتراكي.. 40 عامًا من الصدام تأسس حزب مصر العربي الاشتراكي سنة 1976 برئاسة ممدوح سالم، رئيس الوزراء الأسبق، ولأول مره في تاريخ ما بعد الحكم الملكي يصبح حكم مصر من خلال حزب ، ليكون حكما ديمقراطيا متحررا، واستمر الحزب يمارس دوره الوطني وكان له العديد من المواقف المسجلة في تاريخ العمل السياسي، ومنها موقف كامب ديفيد التي رفضها 75 عضوا من أعضاء الحزب داخل مجلس الشعب، وحدث مواجهه وصدام مع الرئيس السادات مما دفعه إلى الاعلان عن إنشاء حزب جديد برئاسته، وهو الحزب الوطني الديمقراطي، وانضم الكثير من أعضاء مجلس الشعب والوزراء من حزب مصر إلى الحزب الجديد بينما ظل 35 نائبا بالمجلس متمسكين بحزبهم، فما كان من السادات إلا ان اصدر قراره في 20/4/1979 بحل مجلس الشعب ليتخلص من أعضاء حزب مصر العربي الاشتراكي، ثم تخلص من الحزب ذاته بتاريخ 21/7/1979 صدر قرار رقم 20 لسنه 1979 من الامين العام للاتحادالاشتراكي العربي بتشكيل لجنه لدمج حزب مصر العربي الاشتراكي في الحزب الوطني، دارت معركه قانونيه بين الحزبين وبتاريخ 27/9/1992 استرد حزب مصر العربي الاشتراكي شرعيته وعاد ليودي مهامه الوطنية والسياسية، ليصتدم بصراع جديد حيث يتنازع على رئاسة الحزب كل من وحيد الأقصري وعادل القلا. حزب التجمع.. صراع التوجّهات تأسس حزب التجمع بعد إصدرار قانون الأحزاب في مصر سنة 1977، على يد مجموعة من أصحاب التوجهات اليسارية بصفة عامة: الاشتراكيون والشيوعيون والناصريون والقوميون وبعض الليبراليين غير أن الشيوعيين كانوا في قلب المجموعة الداعية لإنشاء الحزب، تعدد التوجهات بالحزب أدت إلى الكثير من الصراعات الداخلية ، حيث شهد حزب التجمع، تباينا حادا في وجهات النظر، بشأن تحالفات وقرارات الحزب، والتي أسفرت عن انشقاق عدد من القيادات وتأسيس حزب جديد باسم "التحالف الشعبي الديمقراطي"، بقيادة عبدالغفار شكر. حزب الدستور.. تجربة ديمقراطية ونهاية مأسوية أسس الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، حزب الدستور، وفي الانتخابات الأخيرة للحزب فازت الدكتورة هالة شكر الله باكتساح، لتشهد الانتخابات نزاهة تحدث عنها الجميع، فلم يضعف موقف "شكر الله" كونها امرأة أو كونها قبطية، الأمر الذي بشر بالخير الذي لم يدم طويلًا، حيث أعلنت استقالتها من رئاسة الحزب، وأرجعت السبب إلى اقتراب نهاية ولايتها، معلنة أنها لن تنافس في الانتخابات المقبلة على رئاسة الحزب، لتقدم نموذجا على تداول القيادة، ولكن في الحقيقة الحزب كان قد شهد خلافات حادة بين عدد من أعضائه، حول الموقف من بعض القضايا السياسية، والتي غلّبت فيها قيادات الحزب منهج المعارضة لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي. "المصريين الأحرار".. صراع القبول والرفض أعلن الدكتور أحمد سعيد، رئيس حزب المصريين الأحرار، استقالته في سبتمبر الماضي، ليفاجأ بها الوسط السياسي، وجاءت استقالة سعيد كاشفة لضراوة الصراع داخل الحزب، وذكر بعض أعضاء الحزب أن استقالته جاءت اعتراضا على سلبه جزءا كبيرا من صلاحياته، إلا أن الخلافات في حزب المصريين الأحرار، لم تنته باستقالة رئيسه، وتكليف عصام خليل القيادي بالحزب قائما بأعمال الرئيس، بل استمرت بإعلان الحزب الاندماج مع حزب الجبهة الديمقراطية، وتشكيل مجلس أمناء لقيادة الحزب، حيث أقام أعضاء من الحزب دعوى قضائية، تطعن في سلامة إجراءات تعديل اللائحة لتوفيق الاندماج، ومازال الصراع قائما. الأحزاب الدينية.. صراع العقيدة والمصلحة تعيش الأحزاب ذات المرجعية الدينية، حالة من الصراع والخلافات الحادة، ما بين إصلاحيين يطالبون بالتبرؤ من الإخوان ومن جرائمهم، وبين قيادات حزبية ب"تحالف دعم الشرعية"، ولا يزال هذا الصراع مستمرًا ، وتبعه صراع آخر بين جبهة تؤيد المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة متمثلة في حزب النور، وجبهة أخرى تعتبر المشاركة في الانتخابات البرلمانية مرفوض لأنه من وجهة نظرهم تأكيد لشرعية النظام الحالي، وتمثل هذه الجبهة أغلب الأحزاب ذات ذات المرجعية الدينية وعلى رأسهم حزب مصر القوية برئاسة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي أعلن رفض مشاركة حزبة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ليتأكد لنا من كل ما سبق أن التجربة الحزبية في مصر من البداية وحتى اللحظة لم تعمل إلا من أجل مصلحة القائمين عليها وعندما تتصادم المصالح يعلو الصراع.