الرسالة التي بعثت بها جريمة الواحات الإرهابية. ان علينا أن نستعد لموجة جديدة من الأعمال الإرهابية الأكثر تطورا وشراسة من سابقاتها سواء علي مستوي التخطيط أو التسليح أو التنفيذ فضلا عن التنوع في اختيار الجماعات الإرهابية لمسرح كل عملية. الرسالة في حد ذاتها. ليست جديدة وأظن ان الرئيس السيسي نبه إلي ذلك أكثر من مرة خلال الاجتماعات المتعددة التي عقدها ويواصل عقدها مع قيادات الجيش والشرطة والمخابرات العامة وغيرهم ممن يتصل عملهم بمكافحة الإرهاب في الداخل والخارج. كان الرئيس يدرك منذ وقت مبكر ان مصر سوف تكون وجهة مؤكدة لعناصر تنظيم داعش الإرهابي الفارين من معارك العراق وسوريا وأن وصول مجموعات منهم إلي ليبيا ليس بهدف التمركز الدائم بها بالضرورة وإنما هي محطة أو "ترانزيت" لدخول مصر. وكان الوضع في سيناء يشير إلي ذلك فنجاح القوات المسلحة والشرطة خلال الفترة الأخيرة في توجيه ضربات استباقية وضربات لاحقة لجماعات الإرهاب في سيناء وتطهير كثير من البؤر الإرهابية من عناصرها وتدمير الأنفاق والآليات وغير ذلك كان يفرض علي جماعات الإرهاب الدولي أن تدفع بتعزيزات للإرهاب الداخلي لتخفيف الضغط عليه وفتح جبهات جغرافية أخري لتشتيت الجهد والايحاء بأنه لا مكان في مصر يستعصي علي وصول الإرهابيين إليه وتوجيه ضرباتهم منه. والحق انه لا توجد دولة ولا قوة في العالم نجحت في "تعقيم" أرضها ضد تسلل الإرهابيين إليها أو وجودهم فيها إلا إن كانت هي نفسها جزءا من هذا الإرهاب أو شريكا فيه بالتخطيط والتمويل والتسليح والتوجيه وأقول وجودهم فيها بعد أن أصبح تجنيد عناصر محلية وتمويلها يتم من الخارج عبر آليات تكنولوجية عديدة لا سيطرة كاملة عليها بعد. هذا يحتاج إلي جهد دولي كبير ومشترك في اطار استراتيجية عالمية موحدة لمكافحة الإرهاب وهو الأمر الذي مافتئت مصر تنادي به. ليس اليوم فقط وان كان أكثر الحاحا بل منذ الموجات الإرهابية الأولي التي تعرضت لها في مطلع ثمانينيات القرن الماضي حين دعا الرئيس الأسبق حسني مبارك العالم إلي عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب ولم يتنبه الكثيرون وقتها إلي هذا الإنذار المصري المبكر من انتشار الإرهاب وضرورة محاصرته ظنا منهم ان مصر ربما تكون مدفوعة إلي هذه الدعوة من واقع ما تواجهه من مخاطر لا يواجهها غيرها ولا مصلحة لهم في مشاركتها هذه الدعوة. *** ان التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والذي حارب ومازال في العراق وسوريا ألحق هزائم كبيرة بتنظيم داعش وتوابعه لكنه لم يقض عليه ولم ينجح في إغلاق معابره إلي دول أخري وهو يطارده داخل الأراضي العراقية أو السورية وربما كان ذلك مقصودا أو ناتجا عن تضارب بمصالح أعضاء التحالف. ولو كانت هناك استراتيجية عالمية حقيقية لمكافحة الإرهاب تقوم علي احساس جماعي فعلي بالخطر وتسعي للقضاء عليه. ما توقفت حملة التحالف الدولي ضده في العراق وسوريا عند حد توجيه الضربات إليه وترك فلوله تفلت عبر الحدود ناقلة معها الخطر إلي دول أخري بل كان لابد أن تتضمن هذه الاستراتيجية حصارا محكما علي جماعاته وتجفيفا كاملا لروافد تمويلها وتسليحها وتدميرا لمركز ايوائها وإغلاقا لكل المنافذ في وجهها حتي تموت اختناقا وعقابا دوليا لكل من يمد إليه خطوط الحياة من جديد. لكن هذا لم يحدث حتي الآن وبالتالي أصبحت مصر ساحة مفتوحة لاحتمالات تسلل عناصر الإرهاب الوافدة من الخارج لتعزيز ودعم جماعات الإرهاب الداخلي ومضاعفة المخاطر والتهديدات التي نتعرض لها. هذا يستدعي منا استراتيجية جديدة في حربنا ضد الإرهاب قادرة علي تحدي وهزيمة هذه المخاطر والتهديدات بمفردنا وبالتنسيق وبالتعاون مع شركائنا الاقليميين والدوليين الذين يتقاسمون معنا تبعات هذه المواجهة وتصب في مصلحتهم الوطنية مثلما تصب في مصلحتنا أيضا. ان ما حدث في الواحات قابل للتكرار في مناطق أخري وبالتالي علينا ان نستخلص منه الدروس والعبر التي تفيدنا في تحقيق نتائج أكبر في المواجهات المحتملة القادمة علي الأقل في أسس التعامل مع مثل هذا النموذج بعيدا عن التفاصيل التي يمكن أن تكون متغيرة من حادث لآخر. *** جريمة الواحات قامت بها جماعات تتعطش إلي توجيه ضربة مدوية تعلن بها عن قدومها أو وجودها وتحقق بها نجاحا يغطي علي هزائم الإرهاب في سيناء وتطمئن بقاياه علي ان "المدد" قد وصل فضلا عن "ضرب كرسي في كلوب" أفراح المصريين بانتصاراتهم وانجازاتهم المحلية ودورهم الاقليمي المتزايد سواء علي جبهة المصالحة الفلسطينية أو الأزمة السورية ورسالة انتقام من نصر أكتوبر 1973 قبل أن ينتهي شهر الاحتفال بذكراه. هذا من حيث الدوافع وهي معروفة وأي تقدير موقف للعمليات الارهابية المحتمل ان نواجهها ونستعد لها. كان سيتضمنها. جريمة الواحات اختار الإرهاب لها ان تكون في الصحراء المكشوفة.. ومعارك أو مواجهات الصحراء لا يكفي ان تواجهها الشرطة وحدها بل لابد ان تكون مواجهتها مشتركة وبتنسيق كامل بين الشرطة والجيش الذي هو أعلم بخرائط الصحراء وأكثر تدريبا علي مواجهاتها فضلا عن انها قد تحتاج إلي غطاء جوي أو استعداد علي الأقل لتدخل جوي عندما يستدعي الأمر ذلك. والتنسيق بين الشرطة والجيش يضمن وضع تقدير موقف صحيح ومتكامل يحسب كل الاحتمالات المتوقعة ويحدد البدائل بعد دراسة دقيقة لمسرح العمليات بمداخله ومخارجه ودروبه وتجهيز وسائل الاتصال اللازمة وهذا التنسيق قائم وموجود بين الشرطة والجيش في سيناء وهو أحد مفاتيح النجاح والانتصار في مواجهتنا للإرهاب هناك. ان المعلومات التي أعلنت وزارة الداخلية نفسها انها تجمعت لديها حول الوجود الإرهابي في الواحات وتحركت بناء عليها تؤكد ان هناك معركة كبيرة محتملة تحتاج إلي مواجهة علي مستوي آخر تماما وليست مثل حملات ضبط مسجل خطر أو مواجهة عصابة من مهربي المخدرات بل معركة حربية مع إرهاب أكثر تعطشا للدم من أي وقت آخر. ولذلك تعددت المفاجآت التي واجهتها القوة: مفاجأة في الأعداد الكبيرة للإرهابيين في الموقع أو المعسكر التدريبي هناك.. مفاجأة في حجم ونوعية التسليح الثقيل والمتطور.. مفاجأة في ان الإرهابيين هم من بدأوا اطلاق النار ومن أماكن استراتيجية جعلت لهم اليد العليا في المعركة من أول لحظة فيها وكانت الخسائر البشرية في صفوف قوات الشرطة رغم ما أبداه رجالها من بسالة وبطولة حتي آخر لحظة في حياتهم. ولعل الدرس الثاني الأكبر والأخطر هو الدرس المعلوماتي والإعلامي. ان جماعات الإرهاب حين تعد للقيام بعملية كبيرة فإنها تقوم بتجهيز الإعلام كأحد أمضي أسلحتها سواء قبل أو أثناء أوبعد العملية لتحقيق الهدف المعنوي بالتوازن مع الهدف المادي وهي تستخدم في ذلك سلاح الشائعات وبث الفيديوهات المفبركة ونشر المعلومات المضللة في صيغة تبدو معها وكأنها صادرة عن مصادر مطلعة أو قادمة مباشرة من ميدان المعركة. ذلك يضعنا في موقف رد الفعل وهو عادة الموقف الأضعف وللخروج منه لابد أن يكون رد فعلنا سريعا ومباشرا وبالمعلومات والبيانات الصحيحة المتاحة أولا بأول لأن أي تأخير في ذلك يترك فجوة معلوماتية لدي الرأي العام المتلهف علي معرفة أي شيء من أي مصدر يسارع العدو باحتلالها. أي احتلال عقول ووجدان مواطنينا. بما يجعلنا في حاجة إلي جهد مضاعف لطرده منها واستعادة مصداقية بياناتنا. وأظن ان الخطأ هنا مشترك بين كل الجهات ذات الصلة بالحدث ولولا الوعي الفطري لدي المواطن المصري لكانت خسارتنا المعنوية أكبر. ان حجم الخسائر المعلن رسميا في هذه المواجهة كان يقتضي منذ البداية أن يخرج مسئول رسمي كبير من الحكومة يتحدث للرأي العام بما يتوفر من معلومات موثقة ويعد باستكمال الحديث عند اكتمال البيانات المؤكدة وليس الاكتفاء ببيان أو أكثر وهذا ما يحدث في الدول التي تواجه مثل هذه العمليات والأحداث وإلا فمتي يتحدث المسئول؟! ولقد لوحظ غياب كامل للمجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب عن هذه الواقعة ورغم حداثة تشكيله وان مسئوليته أكبر من التعامل مع قضية الإرهاب بالقطعة بل وضع استراتيجيات شاملة وطويلة الأمد للقضاء عليه إلا انه كان من المهم ان يصدر بيانا أو يخرج متحدث باسمه لتنوير الرأي العام حول الوقائع والملابسات. الهيئة العامة للاستعلامات ورئيسها الدكتور ضياء رشوان سعي إلي تغطية الفجوة وقام بدور مهم في مواجهة ما أذاعته ونشرته وكالات الأنباء العالمية من معلومات خاطئة عن عدد ضحايانا وهذا يجعلني اقترح علي الرئيس السيسي ضمه إلي الاجتماعات الرئاسية التي يحضرها وزراء الدفاع والداخلية والخارجية ورؤساء المخابرات العامة والرقابة الإدارية وغيرها فالهيئة هي الذراع الإعلامية الرسمية للحكومة والتي يمكن أن تنقل رسائلها الصحيحة إلي الرأي العام الداخلي والخارجي في مثل هذه الأحداث الكبري ودورها في ذلك لا يقل عن دور الأجهزة التي يشارك رؤساؤها في هذه الاجتماعات.