*.. أخيراً تحقق حلم المصريين علي أيدي مجموعة من الشباب الصاعد الواعد وبقيادة المخضرم عصام الحضري.. وتحت لواء كوبر ومجموعته!! صعدنا إلي كأس العالم للمرة الثالثة.. والثالثة ثابتة كما يقول المثل.. كانت الأولي عام 1934 ورحل عن دنيانا كل من شاركوا فيها.. والمرة الثانية عام 90 بقيادة الجوهري الأسطورة الذي حقق أفضل نتائج في المجموعة الأولي أمام أعتي الفرق والمنتخبات وجاء فيها الهدف الذي سجله مجدي عبدالغني في مرمي هولندا من ضربة جزاء وصدَّع رءوسنا به منذ سبعة وعشرين عاماً. واليوم جاء الصاعد الواعد الفنان الساحر محمد صلاح الدين الأيوبي ليضع بصمته التاريخية في عقول المصريين وسجل توقيعه علي الكرة الإفريقية بهدفي التأهل أمام الكونغو.. ليعلن صعود مصر لمونديال روسيا. * هذا هو منتخب الفراعنة الذي قالوا عنه في الصحف العالمية إنه منتخب الساجدين.. وهذا فخر لنا جميعاً أن يسجد نجومنا لله شكراً في السراء والضراء. الجزاء من جنس العمل * ما أشبه اليوم بالبارحة كما يقولون.. تذكرت ضربة الجزاء التي سجلها مجدي عبدالغني في منتخب هولندا من ضربة جزاء في لحظة وقوف السفاح الكروي محمد صلاح أمام الكرة.. وقلوب الملايين تخفق خشية الخطأ.. تتمني الفرحة في آخر لحظة من الوقت بدل الضائع!! هي ضربة النهاية.. و"إما تكون أو لا تكون"!! يا الله كان الله معك يا صلاح. لم أتصور شعور اللاعب وهو يقف علي مقربة من نار الفشل إذا ضاعت الفرصة الأخيرة. أو جنة الشهرة وجنون الفرحة إذا سجل صلاح ضربة الجزاء!! سألت نفسي من أين لهذا اللاعب بقوة أعصاب وهدوء حتي يركز ويسجل وهو يعلم أن عيون العالم تراقبه؟! شعور صعب لا يقدر عليه إلا الكبار حقا!! في نفس اللحظة عادت بي الذاكرة إلي ضربة الجزاء ومجدي عبدالغني في كأس العالم.. لحظة وقوفه أمام حارس أقوي منتخبات العالم في ذلك الوقت.. هولندا بقوتها وجبروت نجومها باستن وخوليت وغيرها.. كان العالم يقف علي قدم واحدة.. والمصريون يتمنون ويدعون الله حتي سجل عبدالغني علي يمين الحارس هدف مصر الوحيد ومازال مجدي عبدالغني يصدَّع رءوسنا ويذكرنا به حتي جاء الفرعون الصغير ليسجل هدفاً في ظروف متشابهة.. لكنه علي يسار حارس الكونغو!! الظروف واحدة. المشاعر هي نفس المشاعر التي كانت ملتهبة ومرعوشة مع عبدالغني. لكنها ضربات الجزاء الحاسمة التي ترفع أو تذل. تصعد بالفريق كما حدث مع منتخبنا.. و تهبط به ويخرج ويودِّع المسابقة!! فعلاً ما أشبه اليوم بالبارحة بين ضربتي جزاء للمصريين حققتا السعادة للجميع. سر تألق صلاح * يسأل الجميع عن سر تألق الفرعون الصغير محمد صلاح الفاتح بأمر الله شباك المنافسين.. .. ما سبب تألق اللاعب الفلاح الفصيح ابن قرية نجريد محافظة الغربية!! شاءت الأقدار أن أذهب لتلك القرية الصغيرة منذ خمسة أشهر يوم انتقال اللاعب إلي ناديه الحالي في إنجلترا.. التقيت بأقاربه وعمدة قريته وهو رجل مثقف جداً.. سمعت عن صلاح ما يؤكد موهبته.. ابن بار بأهله وقريته.. ملتزم دينياً ويعرف عن قرب سكان بلده بالاسم.. .. يفضل دائماً صلاح العيد والجمعة معهم. .. يوجد ناد صغير علي الطريق الزراعي لقريته يطلق عليه نادي محمد صلاح. أياديه ممتدة لكل أهله وجيرانه. يفعل الخير في السر. .. باختصار شديد هو إنسان بمعني الكلمة. والمؤكد أن دعوات الناس تصب في حساباته.. لذلك يرزقه الله من حيث لا يحتسب.. ربما يكون قربه من الله وتواضعه مع الناس وبره بأهله هو مفتاح التألق في الدنيا.. ومفتاح الجنة في الآخرة. .. كم أتمني أن يأخذ كل نجوم الكرة العبرة من صلاح. ليعرفوا الطريق إلي الفوز في الحياة وفي الملاعب.. لأن الإنسان الملتزم في حياته سيكون ملتزماً في عمله داخل وخارج الملعب وسيكافئه الله بالسداد والتوفيق. * ربما يكون ذلك الهدوء النفسي والراحة الدنيوية وصفاء السريرة هي أسرار التركيز والنجاح. والمؤكد أن رضا الله عن الإنسان يصحبه إلي الطريق القويم والسداد والنجاح. .. وصلاح الذي لم يكمل السابعة والعشرين لم يشاهد منتخبنا في كأس العالم 90 لأنه لم يكن قد جاء للحياة بعد.. والحمد لله أنه سمع من مجدي عبدالغني فقط حكاوي القهاوي عن ضربة الجزاء.. لكنه لم يشاهد مجدي علي الطبيعة وهو يسدد ربما يكون ذلك سر تألق صلاح ونجاحه لأنه يلعب بشخصيته هو دون منظرة أو استعلاء وافتخار بتسجيله الضربة مثلما يفعل مجدي عبدالغني. لكن أفضل ما في ضربة الجزاء التي سجلها صلاح أنها ستسكت مجدي عبدالغني ولو مؤقتاً!! تعالوا نحلم * ولأن الحلم مشروع للجميع ويشترط فقط القدرة علي التنفيذ.. فكل المصريين يحلمون وينتظرون المونديال الروسي.. تماماً مثلما كنا ننتظر مونديال إيطاليا من قبل. ولأن كل الشباب الموجود الآن وتحت 28 سنة لم يكن قد وُلد بعد. .. فسوف أصور لهم ما كنا فيه أيامها.. لأنه أشبه ما يكون بما نحن فيه الآن!! * كان الجميع مرعوباً من القرعة. وعندما وقعنا في مجموعة تضم أباطرة الكرة الأوروبية في ذلك الوقت مثل إنجلتراوهولندا وأيرلندا.. أصابنا الذعر والخوف وراهن الجميع علي فضيحة المنتخب في كل مباراة.. ولكن استعداد الفراعنة الجيد في ذلك الوقت مع الجوهري صنع فريقاً من المحاربين حقق تعادلين وسجل هدفاً وخسر مباراة واحدة من إنجلترا.. وعاد المنتخب بأداء جيد وخروج مشرف وعروض رائعة. .. الآن نستعيد التاريخ من جديد وما أشبه اليوم بالبارحة.. لابد أن نحلم والقياس مع الفارق بين منتخب 90 مع الجوهري والذي لم يكن فيه أي لاعب محترف سوي مجدي عبدالغني في ميرامار البرتغالي ومجدي طلبة في باوك اليوناني.. لكن منتخبنا الآن كتيبة من المحترفين في أقوي الدوريات وأفضل الأندية الأوروبية. والفارق أن الفكر الكروي لدي اللاعب المصري اختلف عنه في الماضي وتطور مع الاحتراف الرسمي اختلافاً كبيراً.. لذا من حقنا أن نحلم بنتائج أفضل. وبهجوم أقوي.. وبدفاع أشرس.. فعندما تصقل الخبرة بمعجون المهارة الفردية تتولد لدينا طاقة جماعية رائعة.. وهذا لن يحدث إلا بإعداد طويل مركَّز ومباريات دولية كثيرة وقوية يمر فيها اللاعب بمراحل التجربة العملية.. حتي يحقق منتخبنا ما نصبو إليه ويضاعف إنجازاتنا التي نعرفها عن منتخب الساجدين!! الدفاع يكسب * ولا ننسي مقولة كوبر الأرجنتيني الذي اتهمه البعض باللعب الدفاعي البحت.. وهو نفس الاتهام الذي سبق ووجهناه إلي الجوهري الذي أوصل المنتخب لكأس العالم 90!! الاثنان كوبر والجوهري نفس المدرسة الدفاعية الفولاذية. ومبدأهما كان ولا يزال "دافع جيداً" تكسب بسهولة!! والتجربة أثبتت ذلك فعلاً.. فكل المدربين الذين يعتمدون علي الهجوم في الأساس.. خسروا فرص الصعود لكأس العالم مثلما حدث مع برادلي الأمريكي من قبل. .. وها هو كوبر يعتبر الدفاع الجيد أول طريق الهجوم الإيجابي والفوز. فالعبرة بالنهايات والعبرة بالنتيجة النهائية للمباراة.. فعلها كوبر في كأس الأمم وصعد إلي النهائي.. تماماً مثلما فعلها الجوهري وحقق كأس الأمم 98 في بوركينا فاسو ولم يكن منتخبنا مصنفاً للفوز. ثم فعلها كوبر وصعد لكأس العالم مثلما فعلها الجوهري وصعد لكأس العالم ..89 والقادم أفضل مادامت الطريقة الدفاعية فيها الشفاء من كل هزيمة!! أسطورة مصرية إذا كان محمد صلاح قد أصبح أسطورة مصرية داخل الملعب بمهارته وأهدافه ولمحاته.. فسوف يظل الحضري علامة مضيئة في حراسة المرمي ليس في مصر فقط ولكن في إفريقيا.. والآن وصل إلي كأس العالم بعد أن ظل يكافح ويجاهد وكرر التجربة في التصفيات مراراً وتكراراً وفشل حتي حقق النجاح مع كوبر ولكن في سن الخامسة والأربعين ليسجل رقماً قياسياً عالمياً عندما يشارك في كأس العالم القادمة في هذه السن.. أصبح الحضري أسطورة كروية بعد أن حقق كل ما يصبو إليه اللاعب في الملاعب محلياً وعربياً وإفريقياً ثم عالمياً باللعب في المونديال. .. صبر الحضري كثيراً وطويلاً. وعاني كثيراً. وظن البعض أنه انتهي بعد أن ترك الأهلي.. لكنه يملك إرادة حديدية وأقسم بحسن شحاته بعد الفشل في الوصول لكأس العالم الأولي في هذا القرن أنه لن يعتزل حتي يلعب في المونديال.. وقد صدق بالفعل. وصبر ونال ورفع مبدأ "مفيش مُحال"!!