هنأ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية والشعب المصري وجميع الشعوب العربية والإسلامية بمناسبة حلول "عيد الأضحي المبارك". ودعا مفتي الجمهورية "في كلمة وجهها أمس إلي الشعب المصري والأمة الإسلامية بمناسبة حلول عيد الأضحي المبارك" إلي ضرورة الاستفادة من الدروس العظيمة التي يمكن أن نتعلمها من شعائر الحج في كافة أمور حياتنا من الإخلاص لله في أعمالنا والاجتهاد فيها علي الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالي ويعود بالخير علي البلاد والعباد وكذلك الوحدة والتآذر والتكامل بين المصريين جميعاً لرفعة مصرنا الحبيبة. قال المفتي إن يوم العيد يمثل وسطية الدين ففيه بهجة للنفس مع صفاء العقيدة وإيمان للقلب خاصة وأنه يأتي مع شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام وهي الحج. وأضاف أن فرحة العيد تشمل الغني والفقير وفيه يتجلي التكافل والتآخي بين أفراد المجتمع فالمواطنون يبسطون أيديهم بالجود والسخاء إلي إخوانهم الفقراء وتتحرك نفوسهم بالشفقة والرحمة وتسري في قلوبهم روح المحبة والتآخي فتذهب عن الناس الضغائن وتسودهم المحبة والمودة. وأشار المفتي إلي أنه "علينا أن نستلهم من معني "العيد" الذي هو بمعني الرجوع والعودة في أن نعيد إلي النفس البشرية صفاءها الفطري وأخلاقها الحميدة فنفس الإنسان في الأساس نفس صافية ونقية مما ينعكس بالضرورة علي السلم المجتمعي". ودعا المفتي المصريين والمسلمين جميعاً علي التوسعة علي الأهل والأبناء وإدخال السرور إلي قلوبهم في العيد كما وجههم إلي صلة الأرحام والتزاور فيما بينهم حتي تسود مشاعر الحب والأخوة والمودة بين الناس جميعاً. كما دعا إلي نبذ كل ما يدعو إلي الكراهية والشقاق والأفكار الهدامة والمتطرفة التي ترهب الناس وتهدد أمن البلاد والعباد وتعيث في الأرض الفساد كما دعا الأمة العربية والإسلامية إلي التعاون والاتحاد ونبذ التنازع والخلاف والشقاق لتفويت الفرصة علي المتربصين بأمن الأمة واستقرارها حتي تحتل الأمة الإسلامية مكانتها اللائقة بين الأمم والشعوب. رغم الفداء : التضحية غائبة عن مجتمعاتنا الإسلامية العلماء : الأنصار ضربوا المثل في بيعة العقبة الكبري الصحابة ضحوا بالنفس فداء للرسول أروع أنواع التضحية .. فداء الوطن عبدالعزيز السيد إذا كانت التضحية علامة من علامات المؤمنين الذين يؤثرون الآخرة علي الدنيا ويبتغون ما عند الله علي ما عند الناس ويعلمون ان الحب لله والتقرب إليه بالتضحية من أجل الآخرين.. فلماذا غابت التضحية من عالمنا..؟ الدكتور محمد فوزي عبدالحي - أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر - يقول: تعد فضيلة العطاء من أعظم الفضائل التي تمنح الانسانية معناها الحق. ولعل وجود هذا الكون بما فيه إنما هو آية من آيات العطاء الرباني ولذلك قال الحق عز وجل علي لسان نبيه موسي عليه السلام "ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدي" فكان عطاؤه للخلق آية علي وجوده تعالي قال بن عباس رضي الله عنه "أعطي كل شيء زوجه ثم هداه إلي منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه وفي قول له: هداه إلي الألفة والاجتماع".. وقال الحسن البصري أعطي كل شيء صلاحه.. ومن هنا جاءت أوامر القرآن والسنة تعزز قيمة العطاء بما تشتمل عليه من البذل والإحسان والتصدق معنويا وماديا حتي شمل ذلك البسمات والكلمات فقال - صلي الله عليه وسلم - "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقي أخاك بوجه طليق" وقال - صلي الله عليه وسلم - "الكلمة الطيبة صدقة" وعند مسلم انه - صلي الله عليه وسلم - قال: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق". وأضاف د.فوزي ان من أعلي مراتب العطاء التضحية.. ولا تكون إلا عن عقيدة راسخة ولذلك شهد التاريخ الإسلامي صورا ندية بهية للتضحية بالنفس والمال حبا لله ورسوله وقد ضرب الأنصار أروع الأمثلة في إعمال هذه الآية منذ اللحظة الأولي التي بايعوا فيها الحبيب - صلي الله عليه وسلم - في بيعة العقبة الكبري وذلك لما سأله عبد الله بن رواحة فقال: اشترط لربك ولنفسك ما شئت - فقال: اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تمنعوني مما تمنعون من أنفسكم قالوا فإذا فعلنا ما لنا قال: الجنة..پفقال الأنصار ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل وفي ذلك نزل قول الله تعالي: "إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" ولقد أوفي الأنصار بعهدهم فضحوا في سبيل الله بكل غال ونفيس وليس أدل علي ذلك مما جري يوم أحد عندما انفرد النبي - صلي الله عليه وسلم - بسبعة من الأنصار واثنين من المهاجرين فقال: - صلي الله عليه وسلم - من يردهم عفا وله الجنة - أو هو رفيقي في الجنة فتقدم الأنصار رجالا رجلا يدافعون عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - حتي قتلوا عن آخرهم.. وهذا من أعظم أنواع التضحية ببذل النفس راضية لله عز وجل. وقال د.فوزي ان الانسان إذا أحب وطنه وأخلص لدينه وعقيدته وبذل نفسه رخيصة وفداء لهما يبتغي بذلك حماية قومه ورفعة وطنه وعلو دينه وإنما يصل المرء إلي هذا الاعتقاد بإقرار العدالة بين الجميع ونشر الإخوة والمساواة وانفاذ القانون علي الكبير والصغير والشريف والوضيع وبذلك نعلم انه لابد للتضحية من غرس في تربة الاجتماع الانساني وفي تعزيز روابط المواطنة وبذور الانتماء وتأسيس نظام اجتماعي يشعر كل فرد فيه بكرامته وانسانيته وحفظ حقوقه وهذا ما يدفعه إلي العطاء ويرسخ فيه قيم الانتماء والتضحية ولنا في بطولات الجيش المصري قديما وحديثا آيات عظيمة علي بذل النفس والمال والولد في نصرة الدين وحفظ الوطن ولعل حرب رمضان ضد الكيان الصهيوني تكون آية متفردة في سجلات الأمم وعلما نيرا علي التضحية الكبري التي جاد بها المصري في العصر الحديث كما جاد بها أجداده في غابر التاريخ. غياب التضحية وأضاف د.فوزي اننا إذا شئنا أن نعدد أسباب غياب التضحية عن عالمنا المعاصر فنجد ان أهم أسبابها شيوع المظالم الاجتماعية وبروز العنصرية الطبقية وتفرد قلة بموارد الأمة وسلطاتها بينما تعيش الأغلبية الساحقة في كد وحرمان وتود مفارقة الأهل والأوطان بحثا عن حياة أفضل. أما الدكتور محمد الشحات الجندي - أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان وعضو مجمع البحوث الإسلامية - يقول: ان سيدنا إبراهيم خليل الرحمن وولده إسماعيل عليهما السلام ضربا مثلا واضحا ونموذجا جليا للفداء والتضحية ارضاء لله عز وجل وتنفيذا لأوامره والقضية بدأت من هنا عندما أمر الخالق جل وعلا خليله إبراهيم أن يذبح ولده لم يتردد الأب لحظة واحدة وعندما عرض الأب الأمر علي ابنه كذلك لم يتردد الابن في تنفيذ ما طلبه الأب منه ولقد جسد القرآن الكريم هذا المشهد العظيم في أحسن صورة في قوله تعالي: "وفديناه بذبح عظيم" ويعد هذا الفداء العظيم الذي تجلي الله تعالي به علي خليله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام معلما من معالم العلاقة بين الله وبين العباد وهذه العلاقة تقوي العبودية الحقة لله عز وجل. وأضاف د.الجندي ان هذا اللون الذي عبر عنه الفداء نحن بحاجة إليه في معاملاتنا المعاصرة.. والتضحية هي ان يفتدي بعضنا بعضا لأن المسلم أخو المسلم والرسول - صلي الله عليه وسلم - قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا فالمسلم الحق هو الذي ينزع الغل والحقد من صدره لأخيه المسلم وأن يضحي من أجله وأن يؤثره علي نفسه كما كان يفعل المسلمون الأوائل ولقد عبر القرآن الكريم عن هذا المشهد الرائع في التنزيل الحكيم في قوله تعالي: "ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون". وقال د.الجندي: ان الفداء والتضحية نحن بحاجة ضرورية إليهما سواء لمصلحة دينية أو دنيونية كما نحن بحاجة إلي تضحيات من أجل الوطن والمجتمع كما ان الوطن يحتاج منا إلي تضحيا كل يوم وكل لحظة فالجندي يضحي من أجل الدفاع والذود عن الأرض والعرض والوطن يحتاج منا الجد والعمل وزيادة الإنتاج حتي نرقي بهذا الوطن وأهله.. وما نحن عليه من تراجع وثقافة مغلوطة يحتاج إلي تصحيح من أجل نقل البلد من حالة الركود والتراجع إلي الانطلاق والتقدم وهذا يحتاج إلي تضحيات وسهر وتفان وإيثار ووصل الليل بالنهار والفترة الراهنة بحاجة إلي انكار الذات والعيش من أجل الهدف الأسمي وتحقيق خيري الدنيا والآخرة. ودعا د.الجندي كل مسلم وكل مصري إلي بذل ماله ونفسه في سبيل وطنه وأن يتعاون الناس مع بعضهم وأن يحب كل مواطن لأخيه ما يحب لنفسه وعلينا أن نتأسي بصحابة رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في حياتهم ومع أهليهم وأصحابهم في الغزوات وفي السفر.. وعلينا أن نضحي في سبيل رقي الوطن. حتي لا يتكرر اختلاط النساء بالرجال بصلاة العيد مطلوب تنظيم الساحات المخصصة .. لمنع التداخل صور الاختلاط يساء استخدامها .. ضد الدين ظاهرة الاختلاط في ساحات الصلاة بالأعياد كعيد الأضحي أو عيد الفطر أصبحت تتكرر حيث نجد الرجال بجوار النساء وخلفهم وأمامهم بشكل لا يتفق ونظام الصلاة في الإسلام والذي جعل الرجال أولا ثم الأطفال ثم النساء وهو أمر يتم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل لا يليق وجلال الصلاة. العلماء حذروا من هذه الظاهرة وطالبوا بضرورة التخلص منها. يقول الدكتور محمد داوود - الأستاذ بجامعة قناة السويس - الصلاة في الإسلام لها نظام يتمثل في أن يؤمها احفظ الناس للقرآن ثم أعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله وأن يقف حفظة القرآن خلف الإمام وكذلك العلماء وهكذا حتي يقف الأطفال ثم النساء وفي حالة عدم وجود مكان خاص بهم والحمد لله معظم المساجد للنساء فيها مكان خصص لصلاتهن. أما صلاة العيد ففي الغالب تصلي في الساحات الكبري كما سن لنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ودعا ان يخرج إليها كل الناس شباب أو شابات نساء ورجالا حتي صواحب الأعذار من النساء يخرجن ليشهدن الصلاة لكن لا يشاركن فيها وهو خروج هدفه الفرحة بما يصاحبه من تهليل وتكبير ومع ذلك فلا يجوز أن يقع اختلاط في الوقوف للصلاة أو ترتيب الصلاة بالشكل الذي يحدث أحيانا لأن للصلاة وقارها ولذا فأنا أدعو إلي أن يقوم بعض المشاركين في الصلاة بترتيب وتنظيم عملية الصلاة لأنه كما يحدث فإن الصلاة تبدأ ويقف النساء خلف الرجال ثم يأتي شباب ورجال هدفهم اللحاق بالصلاة فلا يجدون مكانا فيقفون مثلا خلف صفوف الرجال بسبب الزحام وبسبب كثرة الأعداد وبسبب عدم التنظيم. الشيخ محمد عبدالعزيز - الإمام بالأوقاف - يقول: إن سبب حالة الاختلاط هذه ما يحدث من زيادة الأعداد القادمة للمشاركة في الصلاة دون أن تجد من يحدد مكانا للنساء ومكانا للرجال بعد أن يبدأ الإمام بالتكبير فيقف كل واحد أو واحدة حسب ما يتفق له لذا فإن تجنب هذا الاختلاط يتحقق بتنظيم الوقوف كأن يقف بعض العاملين بالمسجد أو المشرفين علي الساحة أو رجال الأمن محددا ناحية للرجال وأخري للسيدات ويطالب الشيخ محمد عبدالعزيز المسلمين إلي الانتباه إلي خطورة تناقل هذه الصورة خاصة وان هناك كثيرا من المنظمات في الغرب تدعو إلي عملية الاختلاط هذه بدعوي المساواة بين الرجال والنساء وليس ما فعلته أمينة داوود السيدة القاديانية بأمريكا ببعيد حيث قامت بخطبة الجمعة بنفسها ثم أمت المصلين نساء ورجالا مختلطين لا ترتدي النساء غطاء للرأس أو ملابس محتشمة ودعت كل وسائل الإعلام لمشاهدة هذه الصلاة وأثارت بلبلة كبيرة في العالم الإسلامي وبالتالي لو تم تناقل هذه الصورة من مصر في العالم لصار لمثل هذا التصرف الشاذ مصداقية أو يقوم باحتجاج به أولئك الذين يريدون ان يفسدوا علينا ديننا. الدكتور عبدالغفار هلال - عميد كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة الأسبق - يقول: ان صلاة العيد سنة مؤكدة عند العلماء والمسلمون يجتمعون فيها لإعلان الفرح بالعيد وعيد الأضحي يقوم علي الفرح بالحج لبيت الله الحرام واحتفال المسلمين به في كل مكان من أرض الله ويفرح المسلمون بعشر ذي الحجة والعمل الصالح فيها ويفرحون بالأضحية التي تدخل السرور علي أهل البيت وعلي الأصدقاء وعلي الفقراء والمساكين من هذا نري ان العيد بشرعية الصلاة فيه يكون احتفالا إسلاميا كبيرا في جميع المواقع من الساحات والمساجد وهو احتفال يرضي عنه الله ورسوله. وأضاف د.هلال ان نظام الصلاة ان يجتمع الناس رجالا ونساء وأطفالا والسنة التي وردت عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أن يصف الرجال أولا في الصفوف الأولي بحيث تكون كلها من الرجال وبعد أن تنتهي صفوف الرجال يصف النساء وبعد النساء يصف الأطفال ولا مانع من وضع حاجز بين الرجال والنساء حتي لا يختلط الرجل مع المرأة.. ومن هنا تكون الصلاة منظمة ومانعة للفتنة. وقال د.هلال ان بعض المساجد يضعون مكانا خاصا للنساء وهي سنة حميدة تمنع الاختلاط وعلي هذا يجب ان يلتزم المسلمون بالسنة وألا يختلط الرجال بالنساء. صحيح جرت العادة ان بعض الأطفال يأخذهم آباؤهم معهم وقت الصلاة ويصلون بين صفوف الرجال هذا لا بأس به لأن الطفل ربما يضل عن والده أو يتعرض لشيء يؤذيه حين لا يكون معه أبوه حرصا عليه يقف بجوار والده خصوصا في هذه الأيام لأننا لسنا في عصر الصحابة الكرام الذين كانت الأمور عندهم غير مختلطة ولم يكن هناك دعاة للشر يتربصون بالأطفال كما نري الآن.. أما النساء فوضعهن في مكانهن لا يتغير بتغير الزمان ولا بتغير المكان. تفعيل الدين في المجتمع أمان من الانهيار أ.د.طه حبيش إن من أجل نعم الله علي عباده أن يحسم لهم من المسائل ما لا يقدرون علي حسمه سواء اجتمعوا لهذا الحسم أو اجتهد كل واحد منهم في تحصيله.. والأمثلة التي توضح هذا المعني كثيرة ومن أخصها: الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ومن بين ما اختلفوا فيه هذه الحقوق المدنية أو الجنائية فنحن إذا تصورنا طرفين يتنازعان في حق من الحقوق يثبته أحدهما والثاني ينفيه فنحن نتصور أن كلا من الطرفين يبذل طاقته في إثبات أن الحق عنده ويقيم أدلته أو شبهه علي ذلك حتي تختلط الأمور ويصعب اقتناص الحقيقة وهنا نجد أمثال هذا الوضع يحتاج إلي نظام حاكم وإلي شرع حاسم تنضبط من خلاله المعايير ويرضي المنتسبون إلي هذا النظام بما تنتهي إليه هذه المعايير من نتائج. علي أساس من هذا التصور البسيط نعلم أمرين علم اليقين أحدهما: ان الأمور إذا ما اختلطت وأن الحجج إذا ما تضاربت فإن العقول البشرية تجد نفسها غير قادرة علي تمييز الحق من الباطل مما يجعلها تحتاج إلي مشرع آخر ينفصل بعلمه المطلق وإرادته النافذة وحكمته التي لا تخطئ عن سائر الموجودات الحادثة كي يضع لها نظاما يشكل إطاره العام دستوره الذي يحقق الخير للجميع وتشكل نصوصه الواعية قوانينه الحاكمة التي يرتضيها الجميع علي أن ينبثق هذا كله من عقيدة ترد الكل إلي موقف للحساب يعود فيه كل حق لصاحبه لو قد ضيعته في دنيا الناس غيوم تضارب الأدلة وتعارضها. وهذا التوصيف علي أساس من تلك الضوابط لا يتوفر إلا للدين علي نحو ما هو ظاهر كتاب - العقد الاجتماعي - وعلي نحو ما سبقت به نصوص الإسلام والتي منها ما جاء في "سورة النساء: 64-65": "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع باذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما". ومن ينظر في هذا النص يجد أنه قد جاء في سياقه يؤكد ما ذكرناه من حقائق. ومن ينظر في هذا النص يجد أنه قد جاء في واقعه التاريخي حين نزل علي قلب النبي محمد يضبط ما قد واكبه من الوقائع فالنص في سياقه يظهر معناه إذا ما وضعناه بين سوابقه ولواحقه.. والنص في واقعه التاريخي الذي واكب نزوله تظهر ضوابطه حين نضم إليه ما ذكر العلماء انه سبب نزوله فالأئمة الستة من رواة السنة قد أخرجوا عن عبدالله بن الزبير قال: "خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراح الحرة فقال النبي - صلي الله عليه وسلم - اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلي جارك فقال الأنصاري: يا رسول الله إن كان ابن عمتك فتلون وجهه ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتي يرجع إلي الجدر ثم أرسل الماء إلي جارك واستوعب الزبير حقه وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك: "فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك" وقريب منه ما أخرجه الطبراني في الكبير والحميدي في مسنده عن أم سلمة وما أخرجه ابن أبي حاتم عن سعد بن المسيب إلا أنه في رواية سعيد أن الذي خاصم الزبير هو حاطب بن أبي بلتعة. هذه هي تلك الملابسات التي أحاطت بالنص فكان له منها بعض الضياء. أما معني هذا النص فهو يؤكد علي أمور هامة يأتي في أولها: أن الله عز وجل حين يرسل الرسل لم يرسلهم لمجرد الوعظ وإثارة المشاعر وتحميل الناس الشعارات ووضع الشارات علي رءوسهم أو أكتافهم وإنما أرسل الله الرسل لكي تطيعهم أممهم فيأخذون عنه العقيدة والشريعة والأخلاق ويفعلون ما أخذوه ثم تكون هذه الطاعة باذن الله وهو لفظ للبيان أو لإفادة الشرط ليتبين منه أن طاعة الرسل لا لذواتهم وإنما هي طاعة بأمر الله وإذنه لترجع الطاعة الكلية في النهاية إلي الله وحده لا شريك له. ومن رحمة الله انه حين علم أن في طبع الإنسان العصيان والمخالفة بين له انه لم يغلق الباب أمامه لو قد أخطأ بل ترك له أبواب الرحمة مفتوحة علي مصاريعها فلو أن الواحد منهم قد ظلم نفسه فإنما عليه أن يرجع إلي الرسول متمثلا في شخصه في زمانه وأن يرجع إلي الرسول متمثلا في رسالته وشريعته وبين يدي النبي أو الشريعة أو هما معا عليه أن يستحضر الندم ويستغفر ربه ليثبت جدية توبته ثم يستغفر له الرسول حين يكون بين ظهرانيهم ويستغفر له الرسول وهو في قبره حيث تعرض عليه أعمال أمته فمن وجده علي خير حمد الله لهذه الوجادة وتلك الخيرية ومن وجده علي غير ذلك استغفر له في قبره.. فإذا ما اكتملت هذه العناصر الثلاثة - العودة إلي الرسول أو الشريعة والاستغفار بين يدي الرسول أو الشريعة واستغفار الرسول لمن ظلم نفسه فإن الله قد وعد أنه سيكون له توابا رحيما. والآيات تستدرك علي ما ذكر بثلاثة عناصر أخري يفتتح النص الكريم ذكرها بالقسم ونفي الإيمان عن من جافاها "فلا وربك لا يؤمنون" وهذه العناصر هي: أن يحكموا الرسول وشريعته بينهم فيما اختلفوا فيه وقام بينهم الشجار بسببه وأن يكون هذا التحكيم قد نشأ عن الرضي والقبول بحيث تستقبله النفس علي قدر كبير من الرضي ثم إذا صدر الحكم مستندا إلي حيثياته وجب علي من حكم بينهما أن يستقبلوا هذا الحكم بغاية الرضي والتسليم.. هنا يستقيم المجتمع علي أساس من استقامة حكم الشريعة.