إذا أحب الله عبداً ابتلاه. ويبتلي الناس علي قدر دينهم. فأشدهم إيماناً أشدهم وأكثرهم ابتلاء. يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "أشد الناس بلاء. الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. يبتلي الرجل علي حسب دينه. فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه. وإن كان ا أرحمفي دينه رقة خفف عنه". ومن نماذج ابتلاءات الأنبياء ابتلاء سيدنا أيوب "عليه السلام" الذي مسه الضر فصبر ورضي. ولم يسخط أو يجزع. حيث يذكر أهل العلم أن الضر كان قد أصابه سنوات في ماله وولده وجسده. وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير. وأولاد كثيرة ومنازل مرضية. فابتلي في ذلك كله. وذهب عن آخره. ثم ابتلي في جسده ولم يبق من الناس أحد يحنو عليه سوي زوجته. كانت تقوم بأمره حتي من الله "عز وجل" عليه بالشفاء. ورد إليه عافيته. علي نحو ما يصور القرآن الكريم: "وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكري للعابدين". ويقول بعض أهل العلم: كيف يغفل من ابتلي في جسده عن قوله تعالي علي لسان أيوب "عليه السلام" حين نادي ربه: "وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين". وهذا ابراهيم "عليه السلام" يبتلي بكيد قومه له وتربصهم به الي درجة ايقاد النار والعمل علي إلقائه فيها حياً لاحراقه بها. لكن الرحمة الإلهية كانت حاضرة. حيث أمر الحق سبحانه النار أن تكون برداً وسلاماً فكانت حيث يقول سبحانه علي لسان قومه: "قالوا حرقوه وانصروا الهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً علي إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين". ثم يبتلي "عليه السلام" ويختبر في ذبح ولده اسماعيل "عليه السلام" فما كان منهما "عليهما السلام" إلا الرضا والاستسلام لأمر الله "عز وجل" والاستجابة له. حيث يقول الحق سبحانه: "فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين". وهذا نبي الله يونس "عليه السلام" يبتلي بالتقام الحوت له فلم يغفل وهو في بطن الحوت عن المناجاة بالاستغفار "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادي في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" حتي كانت النجاة. حيث يقول سبحانه: "وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلي الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلي يوم يبعثون فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلي حين". ولهذا قال بعض أهل العلم أيضاً: وعجبت لمن ابتلي بالضيق كيف يغفل عن قوله تعالي علي لسان موسي "عليه السلام": "أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين". وهذا نبينا محمد "صلي الله عليه وسلم" وقد أصابه من الامتحان والابتلاء ما أصابه. حيث آذاه قومه وأخرجوه. وحاولوا قتله. وكسروا ثنيته يوم أحد. وسلطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يوم الطائف يمرمونه "صلي الله عليه وسلم" بالحجارة حتي سال الدم من قدميه الشريفتين. وهو ينادي ويقول: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي. وقلة حيلتي. وهواني علي الناس. ي الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربي. إلي من تكلني؟ إلي بعيد يتجهمني؟ أم إلي عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي. ولكن عافيتك هي أوسع لي". وهكذا أيضاً شأن المؤمنين الصادقين. حيث يقول سبحانه: "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين". علي أن عاقبة الصبر علي الابتلاء عافية في الدنيا ورحمة ورضا من الله "عز وجل" في الآخرة. حيث يقول الحق سبحانه وتعالي: "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب" ويقول سبحانه "وبشر الصابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" ويقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب. ولا هم ولا حزن ولا أذي ولا غم. حتي الشوكة يشاكها. إلا كفر الله بها من خطاياه" ومع ذلك سلوا الله العافية. ومن ابتلي فليحمد الله ويصبر.