تمر مصر بظروف صعبة..وكأن تراكمات الماضي كله تجمعت وطفت علي السطح مرة واحدة.. ملفات مؤجلة. وقضايا عالقة. وفساد مستشري ومتغلغل.. ليس نتاج فوضي السنوات التي تلت يناير 2011 فحسب. بل حصاد أكثر من نصف قرن من السياسات العشوائية والأنظمة الاقتصادية المشوهة.. والحروب التي استنزفت قوتنا وأموالنا.. وترددنا بين التمسك بالعادات والتقاليد وبين الانفتاح علي الثقافات الغربية الغريبة عنا. والتي أخذنا عنها ما يضر. وتركنا ما ينفع. إن أزمتنا ليست اقتصادية فقط.. بل هي أخلاقية في المقام الأول.. لا نعاني أزمة جوع وفقر ومرض وغلاء فحسب.. ولكن نعاني أزمة ضمير ومُثُل وقيم ومبادئ.. فمنا من يبيع الوطن ويتآمر عليه.. ومن ينفذ أجندات خارجية تسعي لتخريبه وهدمه. مقابل حفنة من الدولارات واليوروهات.. ومَن يتاجر بقوت المحتاجين ويستغل حاجتهم. ومَن يلهث وراء الثراء بالغش والخداع والجشع. ماذا جري لنا؟!.. عندما أنظر حولي. أري وجوهاً شاحبة. وعيوناً زائغة. ونفوساً حائرة.. لا أحد راضي. لا أحد يتحمل. لا أحد يتسامح.. غابت الفضيلة. طُمسَت العِفَّة. فُقدَت العزَّة. ماتت النخوة. ضاعت المروءة. تجزأت المبادئ. تشوهت الأخلاق. اختلطت القيم.. غابت عن المجتمع كل هذه المعاني السامية. وانفصلت جميعها عن سلوكنا. وانسحقت تحت أقدام أصحاب المصالح.. أصبحنا نستخدم تلك المعاني حسب ما تقتضيه الظروف وما تمليه المواقف وما تستدعيه المصالح الشخصية.. نطالب بالحقوق وننتهكها.. وبالواجبات. ونتجاهلها.. وبالكرامة. ونهدرها.. وبالعدالة. ولا نطبقها.. نعلم أننا مُستَهدَفون.. ولا نُحصِّن أنفسنا.. ونعرف أنهم يتآمرون علينا ويريدون الفتك بنا.. ولا نُعد لهم العُدَّة. لقد ضقنا زرعاً بما نحن فيه من فوضي وتوتر وأزمات.. لدرجة جعلت معظمنا يتمني عودة الوضع إلي ما كان عليه قبل ..2011 رغم أننا كنا نتمني إزاحة ذلك النظام الجاثم علي نفوسنا لأكثر من ثلاثين عاماً.. كل ذلك لأن ثورتنا خرجت عن مسارها.. وحاولت جهات عديدة القفز عليها وركوبها.. واستغلتها القوي المتآمرة علي بلادنا.. لنشر الفوضي والتخريب.. تحت شعارات رنانة وعناوين جذابة.. ونجحت في استقطاب نفوس مريضة. وضمائر غائبة.. لا تعرف معني الانتماء للوطن.. لتنفيذ أجندتها وتحقيق أهدافها. وبدلاً من أن نجلس ونندب حظنا. ونلعن ظروفنا.. آن لنا أن ندرك أن الوضع لم يعد يحتمل مزيداً من دعوات الفوضي والتخريب.. ولابد للدولة أن تحكم قبضتها علي الأمور.. لتحقيق الاستقرار.. ونشر الأمن.. وتحسين الأحوال المعيشية. والسيطرة علي الأسواق وتوفير السلع والخدمات.. ولابد للشعب أن يساعد الدولة في لفظ تلك النفوس المريضة وتجنيبها.. وإن اقتضي الأمر القضاء عليها من أجل تحقيق استقرار وأمن البلاد والعباد.