تشهد مواقع العمل في مصر أزمة حقيقية حيث مازلنا نعمل بربع ضمير.. ولا نلتزم بساعات العمل ولا تجويده ولا معدلات الانتاج لدرجة أننا لم نعد نعمل حتي "علي قد الفلوس" التي نتقاضاها.. وذلك رغم أننا أذهلنا العالم بثورتين مجيدتين.. وبدأنا الانطلاق نحو بناء وطننا.. وقد تحركت المسيرة الاقتصادية. خبراء الاجتماع والاعلام يرون أن تطبيق مبدأ الثواب والعقاب. سوف يحقق الانضباط داخل مختلف الوحدات الادارية والتعليمية والانتاجية بحيث لانسمح للعاملين بالحكومة وقطاع الأعمال بالتكاسل في أداء واجباتهم الوظيفية رغم تقاضيهم المقابل النقدي في الوقت الذي يتحولون فيه إلي شعلة نشاط إذا عملوا في القطاع الخاص. حنان محمد- موظفة- تقول كلنا نشعر بما آلت إليه أوضاعنا الأخلاقية خاصة ما يمس الضمير العام وهذا نتاج ما حدث خلال السنوات الماضية من فوضي وفساد. قالت نعم عندما يموت الضمير يصبح كل شيء مباحا سرقة. نصب. احتيال. فمنذ أيام تعرض ابني- 10 سنوات لحادث سرقة بالإكراه- استوقفه شابان وقاما بتفتيشه للحصول علي ما لديه من أموال ومحمول في موقف تجرد فيه الشابان من الرحمة والضمير وبثا الرعب في نفس ابني صغير السن وهربا دون أن يجرؤ أي أحد علي الإمساك بهما. علي قد فلوسهم! ناهد عبدالرحمن- حظي السييء قادني لأحد مكاتب البوستة- لإجراء حوالة بريدية فلفت نظري أن المكان يسوده الهرج والمرج والصراخ والعصبية.. رغم ان الزحام لم يكن كثيراً فوجئت بالموظفين كل اهتمامهم تناول الافطار والشاي والقهوة وعدم الالتفات لتلبية الخدمة للمواطنين وعندما اقتربت من أحد الموظفين لأطلب منه الخدمة فوجئت به يثور ويتلفظ بأفظع الكلمات ويلعن الظروف التي جعلته ملطشة وفوجئت بترديده كلمات "علي قد فلوسهم" وعلي الفور تركت المكان دون اتمام المهمة وسط دهشة من رد فعل الموظف وزملائه في سلوك يعكس فساد الضمير وكراهية الموظفين وتكاسلهم عن أداء أعمالهم. محمد عبدالتواب: للأسف فساد الضمير يقتل كل شيء جميل في حياتنا ويقضي علي البقية الباقية من أخلاقياتنا الجميلة وقيمنا التي كنا نتغني بها فمثلا هزتنا جميعا الحوادث المتكررة التي ارتكبت بمحافظة الغربية وبدأت بمدرب الكاراتيه الذي صور عدداً من الفتيات والسيدات في أوضاع مخلة وتم تداول صورهن والفيديوهات علي الأرصفة.. ليتكرر الحادث مرة واثنتين وثلاثا مع مدير شركة للدعاية والاعلان بالغربية والشاب الوسيم الذي انتحل صفة ضابط وكرر نفس السيناريو وواقعة مدير مركز الشباب باحدي قري محافظة البحيرة وكلها حوادث تؤكد ان الضمائر ماتت لجميع الأطراف وهي وقائع تشعرنا بالقلق والخطر لتدني الأخلاقيات. مدير الأيتام قال سامي عزيز "طبيب": لابد أن ندرك الأوضاع الصعبة التي وصلت إليها أخلاقياتنا وضرب مثلا بغياب الضمير- لدي- مدير دار أيتام مكة بالهرم- القضية الشهيرة التي عشناها في الشهور الأخيرة وفوجئنا بمدير الدار يعطي لضميره اجازة ويقوم بتعذيب الأطفال الأيتام الأبرياء لمجرد أنهم قاموا بفتح الثلاجة والتليفزيون دون علمه.. وهو نموذج واضح وقاسي وسلوك غريب علينا نحن المصريين. أما رجب عبدالتواب- فيتأسي علي الحوادث التي راح ضحيتها عدد من تلاميذ المدارس في عدد من محافظات الجمهورية بسبب الاهمال وغياب الضمير ما بين تلميذ انهارت عليه بوابة المدرسة وآخر دهسته سيارة التغذية المدرسية أثناء وقوفه علي بوابة المدرسة انتظاراً لدخوله الفترة المسائية.. وتلميذ المطرية الذي توفي إثر سقوط زجاج نافذة الفصل علي رقبته كلها نماذج تنطق بفساد الضمائر. رواتب الحكومة يتعجب حليم فوزي "موظف" من الموظفين العاملين بالحكومة المتمردين علي مرتبات الحكومة ويتخلون عن أداء أعمالهم من منطق "علي قد فلوسهم" ويعملون في وظيفة واثنتين بالقطاع الخاص ويؤدون أداءً حسنا بكامل طاقتهم لأن القطاع الخاص لا يرحم ولن يتواصل في العمل من يتكاسل عن أداء مهامه لذلك يتحولون في القطاع الخاص الي شعلة نشاط بينما هم في أماكن عملهم الأصلية "كسالي" ومرتباتهم حرام. الضمير الوطني يقول د. صفوت العالم- أستاذ الاعلام بجامعة القاهرة نحن في أمس الحاجة في المرحلة الجديدة من حياتنا إلي استنهاض الضمير الوطني والمهني والاجتماعي فعلي مستوي الضمير الوطني مطلوب من الاعلاميين والسياسيين النظر الي مصلحة الوطن بالدرجة الأولي وأن يحكم الحس الوطني كل تصرفاتنا وأقوالنا وعلي أساسه يتحقق الانتماء والولاء للوطن. وعلي مستوي الضمير المهني نلمس جميعا تردي مستوي الخدمات الصحية والتعليمية والمرورية فنحن نعاني أزمة ضمير بين كافة الفئات بدءاً من المدرس الذي يضغط علي تلاميذه لإجبارهم علي الدروس الخصوصية ومروراً بالطبيب الذي يغالي في أسعار الكشف واجراء العمليات الجراحية وانتهاءً بالمهنيين البسطاء كالسباك والنجار وعامل المعمار الكل يعمل في منظومة شعارها الاستغلال واختزال الضمير إلي الربع وللأسف التأثيرات متبادلة.. فما قد نتكسبه بطريق ما يدفع نصفه لآخرين بالغوا في الخدمات الخاصة التي يقدمونها وهو ما يؤكد اننا في حاجة لاستنهاض واستزراع الضمير المهني حتي تعود الامور لطبيعتها. أما فيما يتعلق بالضمير الاجتماعي فنحن في حاجة لتعظيم دوره تجاه أفراد العائلة وكل ما يتعلق بصلة الرحم ورعاية كبار السن والأبوين وهذا الأمر يتعلق بالدين الحنيف والمعاملة الانسانية والبشرية. دور الإعلام في التربية قالت د. سامية خضر- أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس: إذا تحدثنا عن الضمير لابد ان نتحدث عن التربية والتنشئة ودور الاعلام والفن في توجيه العقول متفقدة الأفلام المعروضة حاليا والتي تضرب القيم والأخلاقيات في مقتل. أضافت ان الفقر ليس مبرراً لتخلي الانسان عن ضميره.. فكثيراً ما نري سلوكيات غريبة من بعض الموظفين الذين يتراجعون عن أداء أعمالهم تحت شعار علي "قد فلوسهم" أو ان مرتباتهم لا تكفي متطلباتهم وهو مبدأ في غاية الخطورة.. ان يتعامل الموظف بهذا المنطق الغريب البعيد عن الأخلاق والضمير والكرامة.. واذا كان معترضا علي وظيفته فليتركها لغيره يؤدي فيها بضمير وأمانة وبطاقة كاملة. نماذج سيئة تساءلت سعاد الديب- مقررة فرع المجلس القومي للمرأة بالقاهرة وعضو جمعية "حماية المستهلك" كيف نعيد اليقظة للضمائر.. بعد أن ماتت لدي البعض فكثيراً ما نري نماذج ماتت ضمائرها فيتكاسلون عن أداء واجباتهم ولم يكتفوا بذلك بل يشيعون لدي الاخرين الاهمال والتكاسل خاصة العاملين في المؤسسات الحكومية تحت دعاوي أن المرتبات متواضعة ولا تكفي متطلبات الحياة.. والسؤال الذي يطرح نفسه لو أنهم يعملون بالقطاع الخاص هل سيكون ذلك تصرفهم "بالطبع لا" لان القطاع الخاص لن يقبل أي تهاون أو كسل في أداء العمل ومن يلجأ لذلك يكون مصيره الاستبعاد والاستغناء عن خدماته. قالت انعدام الضمير يعني فقدان الاحساس بقيمة العمل والفساد وضربت أمثلة بنماذج ماتت ضمائرها قائلة من يضع قنبلة أسفل سيارة أو داخل عربة قطار أو داخل مبني التاجر الذي يبيع سلعاً منتهية الصلاحية وما تسببه من أضرار علي صحة المستهلكين. السوبر ماركت الذي يطرح لحوما فاسدة ودواجن ميتة هؤلاء ماتت ضمائهم بلا عودة. قالت ان انعدام الضمير يخلق أبواب الكذب والطمع والجشع والخداع ولكن بمرور الوقت تنكشف الأقنعة والمستهلكون يكتشفون هولاء من خلال المعاملات. أضافت ان معدومي الضمير ينتشرون في كافة المجالات فالطبيب الذي يجري جراحة لمريض بدون داع والسباك الذي يغالي في أداء خدمة لا تحتمل والمدرس الذي يتوقف عن الشرح في الفصل حتي يُجبر التلاميذ علي اللجوء للدروس الخصوصية كلها نماذج لبشر أعطت ضمائرهم اجازة يحكمهم الطمع والجشع والانتهازية والنفعية. قالت ان تاجر المخدرات الذي يتمادي في تجارته المسمومة وهو يدرك انها تدمر الشباب هو انسان ميت الضمير والأخلاق. ترجع أسباب ذلك إلي انعدام العدالة الاجتماعية وعدم الاحساس بالعدل فضلاً عن انتشار الفساد ولاستعادة الضمير لابد من التصدي بقوة للفساد وارساء قيم العدل والاعتراف بالخطأ والندم علي ارتكابه. سلوكيات المواطنين د. نجوي حافظ- أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: للأسف نمر بفترة كل ما فيها سلبي وسييء ظهر علي السطح في كل المجالات سواء فيما يتعلق بالبيع أو الشراء أو التعامل أو التنشئة والتربية وأزمة الضمير اتسعت لتشمل جميع المجالات حتي نظافة الشوارع وضربت مثلا بالشوارع المحيطة بالمركز رغم أهميتها ووجود بعض المؤسسات الهامة كمعهد القلب الا ان سلوكيات المواطنين في غاية السوء فرغم ان شركات النظافة تقوم بواجبها في إزالة المخلفات سرعان ما نفاجأ بقمامة جديدة لا أدري من أين أتي بها السكان وما ينتج عنها من روائح كريهة وحيوانات ضالة. أضافت يجب ان نعول كثيرا علي التغيير الفردي ولابد من ضبط السلوكيات بقوة القانون وحسمه ولابد من استراتيجية قومية لنشر الوعي والالتزام بكل ما هو إيجابي وتساءلت لماذا يلتزم المصريون في الخارج وهنا في مصر لا يلتزمون السبب هو القانون والالتزام به في الخارج وهو ما نفتقده للأسف هنا. عموما نحن نعيش مرحلة انتقالية والأمر قد يحتاج لبعض الوقت لاعادة التربية وتغيير القوانين بما يضمن انضباط والتزام الجميع بلا استثناء حتي نودع مرحلة الفوضي والتسيب التي وصلنا إليها بدرجة تفوق الوصف. فوضي السنوات الأخيرة د. عايدة السخاوي- أستاذ الاعلام بجامعة المنصورة- قالت: عشنا السنوات الأخيرة بين الفوضي والانفلات جعلت كل شيء مباحا وقالت انا شخصياً تعرضت منذ أيام لواقعة مؤلمة تترجم حالة الفوضي التي نتكبد ثمنها فمثلاً كتبت احدي الصحفيات العاملات بالقاهرة عن مستشفي التأمين الصحي بالمنصورة دون ان تزوره وقامت بنشر معلومات خاطئة من احدي المواطنات بالمحافظة ونشرت مغالطات بالأرقام سماعيا دون ان تتحقق بنفسها من المعلومة ولان زوجي مدير المستشفي أعربنا عن استيائنا لما حدث وحركنا دعوي جنائية ضد الصحفية التي تستقي معلوماتها من منازلهم ولم تكلف خاطرها أن تتجه الي المستشفي لتري بعينيها لا أن تري بعيون الآخرين. وانتقدت د. عايدة أداء بعض الاعلاميين الذين يحققون أجندات خاصة متجاهلين القاعدة الشهيرة "اعطني اعلاما بلا ضمير.. أعطك شعباً بلا وعي" مؤكدة ان الاعلام آلية يجب ان نعيد لها الضمير والرشد ومعيار الحكم وان يحكمه المهنية لا المصالح الخاصة.