مازال العقل البشري يقف عاجزا عن ادراك التجسد الالهي. بل ويقف هذا العقل حائلا دون استيعاب هذا الاعجاز السماوي المتمثل في ميلاد السيد المسيح من عذراء وطفل المذود لم يحل فقط في بطن العذراء ويولد في حظيرة للمواشي في بيت لحم لكنه جاء ليحل في كل واحد فينا.. داخل قلوب كانت باردة. حقيرة. خاطئة لكنها قاومت الخطيئة وشهوة العالم واغتسلت بالتوبة والاعتراف وتناول جسد الرب ودمه اللذين اعطاهما لنا يوم خميس العهد في سر لا ينطق به.. ميلاد حقيقي داخلنا بالروح والحق. وفي نهاية القداس الالهي يصرخ الأب الكاهن قائلا: "يا ملاك هذه الصعيدة. الطائر إلي العلو بهذه التسبيحة أذكرنا قدام الرب ليغفر لنا خطايانا". واتصور - كما تصور غيري - ان لسان حال شهداء البطرسية اجري تغييرا طفيفا علي هذه العبارة. اتساقا مع الموقف بقولهم: يا ملاك هذه الصعيدة - الذبيحة - الطائر إلي العلو "استني.. وخدني معاك". وبعدد أيام السنة 365 مرة. يقول لنا الكتاب المقدس: لا تخافوا وكأنما الرب يؤكد لنا كل يوم ألا نخاف ويوضح في بشارة الإنجيل لمعلمنا متي.. اصحاح 10 آية 28: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" والذي يقدر ان يهلك النفس والجسد معا هو الشيطان. عدو الخير الذي يقاوم إرادة الله ومشيئته. إلي متي يارب؟ ويذكرنا معلمنا يوحنا اللاهوتي في سفر الرؤيا إنه يعد بحق "اعلان يسوع المسيح الذي أعطاه أياه. ليري عبيده ما لابد ان يكون عن قريب" وقد أرسل المسيح هذا الاعلان لعبده يوحنا - بيد ملاكه - لينقله بدوره إلي الكنيسة ويشهد بكل ما رآه عندما اختطف بالروح إلي السماء ليرصد ما الذي سيحدث عند المجيء الثاني للرب يقول: لما فتح السفر الخامس رأي تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي عندهم وصرخوا بصوت عظيم قائلين: "حتي متي أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين علي الأرض فأعطوا كل واحد ثيابا بيضا وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا ايضا حتي يكمل العبيد رفقاؤهم واخوتهم ايضا. العتيدون ان يقتلوا مثلهم". ويضيف الإنجيل "تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة لله وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفوني". شهداؤنا الآن في أحضان الآب ينعمون بنور لا ينطفيء.. يحتفلون بالميلاد المجيد مع آبائنا ابراهيم واسحق ويعقوب.. في السماء الجديدة التي ستشهد الميلاد الجديد لهم في لقاء مع الرب. في حالة مجد وتحرر من الشر في صورة جمال فائق وتسبيح لا ينقطع نهارا في مسكن الله مع القديسين حيث يكونون له شعبا والله نفسه يكون الها لهم. هنيئا للشهداء المنتصرين وصولهم إلي السماء حيث ينفصلون عن أرض الشقاء و"يستريحون من اتعابهم واعمالهم تتبعهم" وقد غسلوا ثيابهم وتطهروا بدمهم الثمين وهو أغلي ما يستطيعون ان يقدموه هدية للمولود المتجسد في يوم ميلاده المجيد. وبمصر الكنانة.. قر عيناً.. سيدي المسيح بقلم:المستشار عبدالعاطي الشافعي هذه مصر التي احبتك واحببتها ورفعت في العالمين قدرها - سيدي المسيح - حينما اختارها الله دون كل بقاع الأرض لتكون مقصدا للعائلة المقدسة ولتكون لها الملاذ الأمين والمستقر المكين الحصين هربا من بطش "هيرودوس" الحاكم الظالم اللعين ويومها اشرقت أرص مصر بنور ربها ورفرفرت حمائم السلام في سمائها.. وعمت الفرحة والمسرة كل ارجائها.. وحلت البركات والتجليات في كل الأماكن التي حلت العائلة المقدسة بها ومن يومها عرفت الدنيا مصر المحروسة واحة للمحبة والسماحة والإيمان للأمن والسلامة والسكينة والاطمئنان.. نموذجا فريدا للنسيج الوطني شديد التلاحم فائق الصلابة والمتانة والاتقان.. علي نحو لا مثيل له في مجتمع من المجتمعات أو وطن من الأوطان.. ففيها المسجد والكنيسة يتجاوران ويتلاصقان والهلال والصليب يتلازمان ويتعانقان والمسلم والمسيحي فيها اخوان شقيقان بل هما توأمان والمسلم لا يكون مسلما ولا يبلغ درجة الإيمان.. إلا إذا آمن بسيدنا المسيح والإنجيل. إيمانه بسيدنا محمد وبالقرآن.. مستحيل ان ينال من هذا الرباط الوثيق انس ولا جان. ولقد قرع اسماع الدنيا ما عبر به الراحل الجليل القديس النبيل البابا شنودة الثالث حينما قال: "مصر ليست وطنا نعيش فيه وإنما هي وطن يعيش فينا" ومن بعده جاء خير خلف لخير سلف الحبر الاعظم البابا تواضروس الثاني ليرد في حسم علي ما اقدم عليه الكفرة الفجرة المجرمون الارهابيون حين احرقوا الكنائس وهدموها فأطلق كلمته المبهرة: "مصر دون كنائس خير وأفضل من كنائس بدون مصر" وهكذا تظل مصر الكنانة محفوظة في مقل عيون المصريين كافة وفي شغاف قلوبهم.. مسلمين ومسيحيين.