"الرب يدافع عنكم وأنت تصمتون".. شعار رفعه الأقباط دائمًا ووضعوه نصب أعينهم، أيًا كانت المصائب التي تحل بهم، وأيًا كانت الدماء التي تُراق منهم، الثقة التي اتخذوها من الكتاب المقدس، جعلتهم يستشعرون الأمان في أحلك لحظات الألم، فإيمانهم بقول الإنجيل "بل تأتي ساعة يظن كل من يقتلكم أنه يقم خدمة لله" ملأ قلوبهم بثقة الرد الإلهي، ليكتفوا بصلاة تعتصرها الدموع قائلين "ربنا موجود". ومع المشاهد التي اعتصرت قلوب جميع المصريين، عقب ذبح تنظيم "داعش" ل21 مصريًا في ليبيا لم يتراجع المسيحيون عن تعاليمهم وإيمانهم، بل زادهم ذلك مع الألم قوة، مستندين بآيات الإنجيل التي حرَّمت القتل ونوهت بعقوبته، فكان قول المسيح في موعظته على الجبل "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ومن قتل مستوجب الحكم" طمأنينة لهم بعدل لم يلمسوه في حياتهم. "حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض"، بهذه الآية صرخت قلوبهم التي عجزت عن احتضان أجساد أبنائهم المذبوحين، بل تخيَّلتهم كما قال سفر رؤيا يوحنا "فأعطوا كل واحد ثيابًا بيضًا، وقيل لهم أن يستريحوا زمانًا يسيرًا أيضًا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وإخوتهم أيضًا، العتيدون أن يقتلوا مثلهم". وبالسيف الذي سن صريره رقابهم، نهى المسيح بطرس حينما استلَّ سيفه وقطع أذن عبد رئيس الكهنة، قائلًا له: "رد سيفك إلا مكانه، لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون"، وكما أعاد لعبد رئيس الكهنة أذنه في معجزة أمام جميع من أرادوا صلبه، يربِّت المسيح على قلوب هؤلاء الذين سُنَّت السيوف من أجل رقابهم، ويحنو على قلوب ذويهم ويلهمهم صبرًا استنفذوه. "ولما فتح الخِتم الخامس، رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم"، ربما كانت كلمات هذه الآية هي آخر ما يدور في أذهان المذبوحين الذين صرخوا "يسوع"، ولم ينكروا إيمانهم الذي اضطهدوا وقُتلوا من أجله، بل خفف عنهم وعد المسيح الذي قال "طوبى لكم إذا عيروكم واضطهدوكم وقالوا عليكم كل كلمة سوء من أجلي، فافرحوا وابتهجوا لأن أجركم عظيم في السماء"، خاصة مع نهي المسيح للقتل في وصيته "لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد بالزور". وعلى الرغم من غطاء الدين الذي يكتسي به "داعش"، إلا أن قلوبهم لا تعرف الرحمة التي دعت لها الأديان، لينطبق عليهم قول الإنجيل "ولكثرة الإثم تبرد محبة الآخرين"، ولهذا سرد الإنجيل في آياته الاضطهاد الذي سيلاحق أتباعه، ومصير من يقتلهم "حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ".