** لم يكد الشعب المصري يلملم أحزانه في أعقاب رحيل زعيم الثورة سعد باشا زغلول في أغسطس من عام 1927 حتي أصيب بفاجعة أخري قبل ان يسدل العام المذكور أستاره بساعات حينما استيقظ الناس في أرض الكنانة علي نداء باعة الصحف المفعوم بالشجن "حزينة يا مصر" فقد أسلم الصحفي المناضل "أمين الرافعي" الروح. فإذا بجنازته تماماً كما حدث مع سعد زغلول تتحول إلي جنازة شعبية مترامية الأطراف. ومن أجله اقيمت الجنازات الرمزية بطول البلاد وعرضها تماماً كما حدث مع جمال عبدالناصر ولعلها المرة الأولي في تاريخ مصر المعاصر. التي يخرج فيها الشعب المصري ليودع كاتباً صحفياً ومناضلاً سياسياً. وكأنه زعيم أمة..!! عاش أمين عبداللطيف الرافعي أربعين عاماً فقط. وكأنها أربعة قرون اقتسم عمره ونضاله خلالها بين الصحافة والسياسة فإذا به يتخرج في مدرسة الحقوق عام 1909 لينضم إلي الحزب الوطني القديم الذي أسسه الزعيم مصطفي كامل ويعمل بجريدة العدل. ثم يتولي رئاسة تحرير جريدة "العلم" الصادرة عن الحزب ايضاً وعلي صفحات تلك الجريدة يسطر سلسلة مقالات في سبتمبر عام 1911 يندد خلالها بالغزو الايطالي لليبيا ويتبني فيها الدعوة إلي "القومية العربية" ومن جريدة العلم ينتقل أمين الرافعي إلي رئاسة تحرير جريدة "الشعب" إبان تلك الفترة التي شهدت بوادر اندلاع الحرب العالمية الأولي. فإذا بانجلترا تعلن الاحكام العرفية جنباً إلي جنب مع إعلان "الحماية البريطانية علي مصر".. وإذا برئيس التحرير الوطني يرفض نشر الخبر الكارثة ويقرر الاحتجاب عن الصدور. فقد فضل الرافعي أن تحتجب جريدة الشعب عن الصدور عام 1914 علي ألا تخرج للمصريين بمثل هذا الاعلان الجائر. وكان طبيعياً ان تصادر جريدته ويتم اعتقاله. ** وفي اعقاب اندلاع ثورة المصريين عام 1919 كان الرافعي في طليعة الثوار. كما كان في طليعة المنادين بالقومية العربية. الأمر الذي دفعه إلي تأسيس جريدة للمطالبة بحق شعب وادي النيل في الحرية والاستقلال. جدير بالذكر ان الصحفي المناضل أمين الرافعي هو المؤسس الحقيقي لجريدة الأخبار والتي صدر عددها الأول يوم الثاني والعشرين من فبراير عام 1920 قبل ثمانية وثلاثين عاما بالتمام والكمال في نفس اليوم من عام 1958 يوم الاعلان عن الوحدة بين سوريا ومصر في عهد الزعيمين جمال عبدالناصر وشكري القوتلي. وعلي صفحات جريدة الأخبار أدار الصحفي الثائر أمين الرافعي دفة الحركة الوطنية وكتب سلسلة مقالات نارية تحت عنوان: "الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا" وعندما أصدر الملك فؤاد مرسوماً بحل مجلس النواب عام 1925 كتب أمين الرافعي مقالة الجريء اعتراضا علي قرار الملك. وطالب النواب بالاجتماع بدون دعوة الملك وكان لدعوته أثر كبير في تشجيع النواب. وبالفعل عقد البرلمان جلسته التاريخية بفندق "الكونتنتال" تحت راية واحدة علي قلب رجل واحد. بعد ان تم الائتلاف بين الأحزاب المتناحرة. وبعد أكثر من نصف قرن علي رحيل الصحفي الرائد "أمين الرافعي" كرمه الرئيس الراحل أنور السادات إبان الاحتفال بالعيد الاربعين لنقابة الصحفيين في مارس عام من 1981 وذلك بمنح اسمه "قلادة الجمهورية".. اعترافاً بعظيم فضله. علي مهنة الصحافة. وعظيم دوره في النضال الوطني. ** آخر الكلام: صدقت الكاتبة الصحفية "صفية مصطفي أمين" عندما كتبت مقالها الاسبوعي تحت عنوان "لا قيمة لشعب بلا ذاكرة".. ولكنها حادت عن الصواب بعض الشيء في متن المقال. فقد نددت بشدة بأحد كتاب الأهرام واتهمته بالكذب والتزوير في التاريخ. لأنه ذكر في مقال له أن الاستاذ هيكل قد أسس جريدة الأهرام. ولست هنا بصدد الدفاع عن الاستاذ هيكل ولكني توقفت أمام عبارتها القاطعة المانعة: "نحن نرفض تزوير التاريخ حسب الأهواء والتوجهات السياسية" لأن المعلومة التي ذكرها الكاتب الكبير الذي لم تذكر اسمه معلومة كاذبة وشديدة الخطورة علي الأجيال الجديدة في الصحافة المصرية. إذا كان الاخوان سليم وبشارة تكلا هما من أسسا الأهرام. فيجب ان تعترف الاستاذة صفية أمين بأن الاستاذ أمين الرافعي هو المؤسس الحقيقي لجريدة الأخبار. ذلك إذا كانت بحق تخشي علي الذاكرة الوطنية.