** صورة الفتاة المصرية مني السيد بدر التي تداولتها مواقع "الفيس بوك" وهي تجر تروسيكل مليئاَ بالبضاعة التي توزعها علي عملائها من البقالين ومحال الخردوات بالثغر.. ويظهر في خلفيتها مجموعة من الشباب الجالس علي المقهي.. يلعبون بأزرار المحمول أو الطاولة أو يتبادلون الحوار.. أثارت الاهتمام والتعاطف البالغ مع ابنة الثغر المكافحة.. توج باستقبال الرئيس لها.. وقراره اصدار شقة من الدولة لأسرتها تقديراً لكفاحها.. ثم كرمها بالدعوة إلي الحوار الشهري للشباب.. ومنحها بصورة استثنائية جائزة الإبداع للشباب المبرزين.. باعتبارها نموذجاً مشرفاً للشباب.. وقدوة للمصريين بإعلاء قيم العطاء والعمل والصبر.. واعتماد الكفاح الصعب من أجل لقمة العيش. ** نعم.. من المؤكد ان فتاة الاسكندرية البسيطة التي لم تستسلم لظروف وأنواء الحياة تستحق التكريم ولقب القدوة.. وهي كما تقول أمهاتنا.. فتاة بمائة رجل.. لكن ليس معني ذلك انها الوحيدة التي اكتشفت هذا الحل.. ومرت بالظروف الصعبة.. اعتبرت لقمة العيش الشريفة لها الأولوية.. رغم الظروف المعاكسة والتحديات.. واستطاعت أن تكسب ثقة أسرتها وأهالي حيها.. والتجار الذين تحصل منهم علي البضاعة.. وأيضاً الزبائن الذين تعودوا علي مجيئها إليهم في نفس الموعد.. تعاملت بصدق وأمانة وكسب ثقتهم.. تحمد الله سبحانه وتعالي علي الرزق الذي منحه ويسره لها وتكتمل سعادتها.. وتنسي المجهود الشاق في جر التروسيكل لمدة ساعات يومياً.. عندما تكمل رحلتها مع العمل تصعد السلم إلي منزل الأسرة المتواضع.. وقد لبت لأفرادها احتياجاتهم الأساسية. ** وبالتأكيد فهناك في مصر المحروسة آلاف من الشباب لا يختلفون في العزيمة والصبر والجدية في البحث عن لقمة العيش الشريفة.. كما بحثت مني.. وربما اعتمدوا نفس طريقتها حمل بضاعتهم في تروسيكل.. ثم التجول به في الشوارع والميادين.. ينادون علي بضاعتهم من الصباح الباكر وحتي مشارف المساء.. يتعاملون مع فئات مختلفة ومتنوعة من الناس.. يتحملون من يريد الفصال.. أو يلجأ إلي انتقاء البضاعة أو يتراجع عن الشراء في اللحظة الأخيرة.. وإذا كانوا هم يطلق عليهم لقب "السريحة" فهم من ناحية أخري زبائن في هذه السوق الكبيرة.. يتعاملون مع باعة صغار غالباً وكبار أحياناً لشراء الضروريات التي وفرت تكلفتها لهم.. تلك الرحلة الصعبة للبحث عن الرزق وحتي جبر البضاعة.. ليتحول التروسيكل إلي طائرة علي الأرض توصلهم إلي المعلم في أسرع وقت لتسوية الحساب.. ويحصل كل منهم علي حقه المشروع. ** أعتقد اننا نلمح هؤلاء الشباب في طريقة العمل أو المدرسة.. أو أي مكان خارج المنزل معظمهم يقود التروسيكل بالدفع علي قدميه.. رغم انه مزود بإمكانات الدراجة الهوائية.. ربما لذلك يفضلون التمركز ببضاعتهم بجوار التجمعات الجماهيرية.. محطة أتوبيس أو مترو.. أو موقف سيارات أجرة.. أو بجوار مصلحة حكومية أو مدرسة.. رغم ان بعضهم يفضل التجول بالتروسيكل في الشوارع والحارات إلي أن تجبر بضاعته مثل باعة الخبز وأنابيب البوتاجاز والآخر مضطر لذلك.. مثل العاملين في شراء الأشياء القديمة "الروبابيكيا" أو باعة الخضار "خاصة الملوخية الخضراء والنعناع" القادمين من القري القريبة من القاهرة ولكن أشهرهم باعة الموز أصحاب عنوان هذا المقال. ** لماذا باعة الموز.. ربما لأنهم يشكلون بالفعل ظاهرة شبابية ملموسة.. في شوارع العاصمة والمدن الرئيسية.. معظمهم من حملة الشهادات العليا والمتوسطة.. الذين لم يجدوا الفرصة المناسبة للعمل.. قرروا عدم الاستسلام للفراغ والجلوس علي المقهي.. انهم جميعاً يحملون الحلم بداخلهم.. يعتقدون في الانتظار الإيجابي.. بمعني كسب النقود بالحلال وتوفير ما يستطيعون.. انتظاراً لعمل مشروعهم الخاص الصغير.. وكلهم يستخدمون التروسيكل كوسيلة لعرض البضاعة والتواجد في الأماكن المناسبة لبيعها.. يحصلون علي الموز من المستودعات والثلاجات.. وربما من سوق العبور أو سوق أكتوبر.. حصتهم من 200 إلي 500 كيلو من الفاكهة يومياً.. محسوب ضمنها "السباطة" الحاملة لثمار الموز.. يضعون السعر واضحاً علي جهات التروسيكل الأربع.. ويتراوح هذا السعر بين 6 إلي 5.7 جنيه للكيلو.. الأمر الذي يجعلنا نتوقف أمام سعر معتدل لم تشمله موجة الأسعار الملتهبة التي يعاني منها الجميع.. أعتقد ان شباب الموز عددهم بالآلاف يحتاجون إلي مساندة الدولة لهم في عام الشباب.. بتوفير تروسيكلات بخارية حديثة لهم بالتقسيط ضمن مشروعات الشباب الصغيرة.. وضمهم إلي فئة العمالة غير المنتظمة في المعاش والتأمين الصحي.. ومن يدري ربما تساعدهمن علي اختصار خطواتهم المشروعة لتحقيق حلم المستقبل.. وتقدم التقدير العملي لكل من ترك البطالة.. وفكر في العمل الشريف. انها رسالة مهمة من قائد مسيرة الوطن لأهل الخير وللمجتمع المدني ورجال الأعمال.