بدأت أفكر في حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم وسيرته العطرة بمجرد أن اتخذت مقعدي في الباص المتجه من مكةالمكرمة الي المدينةالمنورة. كان الباص مريحا مما أتاح لي فرصة أفضل للتذكر والتأمل. كيف كان يعيش رسول الله؟ وكيف نجح في تبليغ دعوته وسط بيئة معادية وعنيدة كانت عبادة الأصنام هي السائدة فيها؟ كيف تحمل الرسول وصاحبه الصديق رضي الله عنه مشقة الرحلة من مكة الي المدينة؟ وكيف احتمل أشد القيظ في هذه الرحلة المضنية بين كثبان تهامة وصخورها التي ترد ضوء الشمس لظي وسعيرا؟ كيف نجح الرسول في تأليف القلوب المتنافرة حتي بعد هجرته الي المدينة؟ كيف ربي أجيالا فتحت كل بلاد الدنيا أمام الاسلام في أقل من 150 عاما؟ لماذا أحبه أصحابه كل هذا الحب؟ لقد سمعت الكثير عن سيرة الرسول لكن ما رسخ في ذهني معلومات وردت في ثلاث كتب مهمة قرأتها بعناية علي مدي حياتي عن سيرة الرسول وأعدت قراءتها قبل سفري الي البلاد المقدسة. الكتاب الأول للدكتور محمد حسين هيكل "حياة محمد صلي الله عليه وسلم" وهو مؤلف ضخم يقع في نحو 600 صفحة وميزة هذا الكتاب انه لا يسرد وحسب سيرة الرسول من ميلاده الي زواجه الي نزول الوحي عليه حتي هجرته ووفاته انما يرد بالحجة والمنطق علي مطاعن المستشرقين وينقل كلامهم بالحرف. ما لفت نظري في الكتاب حديثه عن معجزة الهجرة التي اعترف بها المستشرق درمنجم علي استحياء فهو يقول ان نسيج العنكبوت ليستر غار ثور حيث كان النبي وصاحبه وقيام حمامتين بالبيض عند باب الغار وتدلي فروع الشجرة الي فوهة الغار كلها معجزات واعاجيب ثلاث. أما الكتاب الثاني الذي يحمل رأيا أتبناه واقتنع به فهو كتاب "محمد الرسالة والرسول" للدكتور والمفكر المسيحي نظمي لوقا الصادر عام 1959 وقيمة هذا الكتاب المهم انه دعوة لكل المؤمنين من جميع الأديان بعدم التعصب والتحلي بالموضوعية في فهم أي رأي أو معتقد أو مذهب مغاير وما أحوجنا ونحن نري التطاحن بين أهل المذاهب والأديان هذه الأيام أن نعيد قراءة هذا الكتاب الذي يري صاحبه ان التنوع هو سنة الحياة وأن الاختلاف بين البشر هو أمر طبيعي وايجابي فليحترم كل منا معتقد الآخر وليختلف معه بشكل متحضر دون الادعاء بأن أحدنا يملك الحقيقة المطلقة.