لم يكن الإسلام ليغض الطرف عن المناسبات الهامة التي كان لها الأثر الأكبر في مسيرة الدعوة. والنهوض بها في أي مكان وزمان.. ولعل من أبرز هذه المناسبات هذه الأيام ما كان من أمر هجرة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم من مكةمسقط رأسه. إلي المدينة حتي تستوي الرسالة علي مرفأ الإسلام الآمن. بعد أن قاست الويلات في مكة من أعداء الإسلام. وأباطرة الكفر. وبعد أن عاني المسلمون أشد المعاناة في سبيل الدعوة من سب. وشتم. ولكم. وأذي بلغ حد القتل متمثلاً في أول شهيدة في الإسلام. سمية زوج عمار بن ياسر التي لقيت حتفها علي يد زعيم الكفار بمكة أبوجهل الحكم بن هشام!! بيتت قريش في النهاية علي قتل محمد صلي الله عليه وسلم مخافة الهجرة إلي المدينة. واعتصامه بها. وما يجر ذلك علي مكة من ويلات وأذي. خاصة في تجارتها مع الشام. وبعد أن ضاقت الأرض علي رحبها بالمسلمين المستضعفين. وبعد أن فقد رسول الدعوة في عام واحد جناحيه اللذين يطير بهما. وهما زوجه خديجة بنت خويلد. رضي الله عنها. وعمه وسنده أبو طالب. ولشدة اللوعة سماه محمد صلي الله عليه وسلم عام الحزن. لما رأي فيه من زيادة عنت الكفار. وبغيهم علي المسلمين ونبيهم حتي ظنوا أن الدعوة أصبحت آيلة للسقوط. والتوقف ولكن الله خالق الدعوة. ومرسل رسولها محمد صلي الله عليه وسلم قضي بأن يكون لها مخرج. فلم يكن إلا الهجرة إلي يثرب انتصاراً للإسلام وتأميناً للدعوة!! باءت محاولات الكفر جميعاً بالفشل في قتل الدعوة في مهدها وإطفاء نور الله. فعزموا علي قتل مصباحها في شخص محمد صلي الله عليم وسلم وأعلم الله رسوله بما بيتوا عليه. فأحاط نفسه بالكتمان حتي لا يجعل لأحد سبيلاً إلي سره الذي أخفاه حتي صديقه أبي بكر الذي طالما تمني صحبة محمد صلي الله عليه وسلم في الهجرة رغم أنه أعد العدة منذ استأذن محمد صلي الله عليه وسلم في الهجرة وحده. واستمهله وإنه لينتظر أمر ربه. أن يوحي إليه أن يهاجر. فلما أذن له ربه أسرع إلي بيت أبي بكر في حر الظهيرة. وأخبره بأن الله اذن له في الهجرة ولما طلب الصديق حينئذ صحبته اجابه إلي ما طلب!!. وهنا برزت قصة مغامرة ما عرف التاريخ مثلها في سبيل الحق والعقيدة والايمان. قوة وروعة.. وزاد من روعة الخير. ما أعده أبو بكر للرحلة راحلتين. ودفعهما إلي عبدالله بن اريقط يرعاهما لميعادهما.. وكانت قريش قد أعدت لقتل محمد صلي الله عليه وسلم خلاصة شبابها من جميع بطون مكة حتي يتفرق دمه بين أغلب قبائلها. وسلحتهم بما يلزم لتنفيذ المهمة من الاسياف. والعصي. والهراوات. وبدأ مكرهم بحصار بيت محمد صلي الله عليه وسلم مخافة أن يفر.. وفي ليلة الهجرة اسر محمد إلي علي بن أبي طالب أن يتسجي بردة الحضرمي الأخضر. وأن ينام في فراشه. ويتخلف بعده بمكة حتي يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس!!. أخذ فتية قريش ينظرون من فرجة الباب إلي مكان نوم النبي فيرون في الفراش رجلاً فتطمئن نفوسهم إلي تواجده حتي كان الثلث الآخير من الليل. خرج محمد صلي الله عليه وسلم في غفلة منهم إلي دار أبي بكر. وخرجاً من خوخة في ظهرها. وانطلقاً جنوباً إلي غار ثور حيث لم يرد بالبال الاتجاه إلي اليمن.. وبدأت الرحلة بعد أن سخر محمد صلي الله عليم وسلم من مكرهم. وحثا الثراب علي وجوههم ووصل محمد وصحبه إلي الغار في سرية تامة لم يعلم عنها غير عبدالله بن أبي بكر وأختيه عائشة وأسماء. ومولاهم عامربن فهيرة الذين قام كل منهم بمهمته خير قيام من نجاح الرحلة ووصولها إلي طريق الأمان!!. خاب فآل قريش بنجاة محمد صلي الله عليه وسلم وصاحبه. فخرجوا يطاردونهم بكل السبل. وفي كل مكان يتوقع وصولهم إليه. حتي وصلوا فعلا إلي باب الغار. وسألوا راعياً قريبا منه فكان جوابه قد يكونا بالغار. وأن كنت لم أر أحدا أمه وتصبب أبوبكر عرقاً لما قاله الراعي. فقال للرسول صلي الله عليه وسلم منزعجاً لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا. فأجابه الرسول في هدوء الواثق بنصر ربه يا أبابكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما!.. وهنا سكن أبو بكر وهدأ روعه!!. زاد القرشيون اقتناعاً بأن الغار ليس به أحد بعد ما رأوا نسيج العنكبوت عند فوهته. وشجرة تتدلي فروعها فتسد مدخله وحمامة بيضاء زينت نافذته ببيضتيها.. بقول المستشرق "منجم" هذه الأمور الثلاثة هي المعجزة التي يقص التاريخ الإسلامي الحق وقائعها نسيج عنكبوت. وهوي حمامة ونماء شجيرة. وهي أعاجيب ثلاث لها كل يوم في أرض الله نظائر". ولقد كان لدور أبي بكر وأولاده أكبر الأثر في نجاح الهجرة. واستمرار دعوة الإسلام حيث أقام رسول الله وصاحبه ثلاثة أيام في الغار. ولكن الجائزة التي رصدتها قريش لمن يردهما وهي مائة ناقة تغري أي فرد في قريش ليحصل عليها. ولكن إخلاص أبي بكر وأولاده لدعوة الإسلام جعلهم يستميتون حتي تحيا. فكان عبدالله سفيراً إلي قريش نهاراً فيسمع ما يأتمرون به. وبعود ليلاً إلي الرسول وأبيه فيخبرهما وعامر بن فهيرة راعي غنم أبي بكر في رعيان مكة. فإذا أمي أراح عليهما غنمه فاصليا وذبحا وفي رحلة العودة يعفي علي آثر عبدالله حتي لا تلحظه قريش.. أما الدورالمهم فكان لأسماء ذات النقطاقين التي تعد لهما ما يصلحهما من الطعام إذا أمست.. وهكذا بدأت الهجرة بعون الله ومساعدة أبي بكر وآله.. والله من وراء القصد وهو المستعان.