فاجأتني الإعلامية الشابة رضوي شعبان أثناء لقائي معها في برنامج حول انتصارات حرب أكتوبر.. والدروس المستفادة منها بسؤال جعلني أفكر فيه كثيراً قبل الإجابة عليه خاصة وأنه يمس أهم شريحة في المجتمع حالياً ألاوهي شريحة الشباب وكان السؤال "هل تشعر أن هناك فئة من المجتمع بدأت تفقد شعورها بالإنتماء للوطن.. فاتجه البعض منهم للانضمام للتنظيمات الإرهابية مثل داعش والبعض الآخر إلي الهجرة غير الشرعية خارج البلاد لعلهم يجدون الحياة الكريمة التي يتوهمون بوجودها هناك؟". كانت خلفية هذا التساؤل هو ما تحدثنا عنه أنه خلال الفترة الزمنية منذ عام الهزيمة 1967 إلي عام النصر في 1973 شهدت البلاد أعلي مرحلة من مراحل الولاء والانتماء الوطني حتي أن معدلات الجريمة وصلت إلي أقل معدلاتها خلال تلك الفترة ولم يفقد الشعب قناعته بأنه سوف ينتصر حتي بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر برغم كل الظروف السياسية والاقتصادية التي تعرض لها الوطن في هذا الوقت.. وانصهر الجميع في بوتقة واحدة حتي تحقق لهم النصر الذي كانوا ينتظرونه ويسعون إلي تحقيقه. وبعد ذلك شهد الوطن الكثير من الأزمات بدءاً من قطع العلاقات مع معظم الدول العربية ثم أحداث الشغب 1977 واستشهاد الرئيس أنور السادات عام 1981 وتزايد موجات الإرهاب التي أثرت سلباً علي الأمن والاقتصاد والسياحة وصولاً إلي ثورة يناير 2011 التي بدأت بأهداف وأساليب سلمية ومشروعة ثم حدث ما حدث من فوضي وارتباك وسيطرة فصيل متشدد علي مقاليد الدولة إلي أن اسقطه الشعب في يونيو 2013 وحالياً فإننا نمر بالفعل بمرحلة جديدة من أشكال الأزمات الاقتصادية نتيجة الفساد وجشع التجار وسطوة رجال الأعمال وقصور الأدوات والامكانيات للسيطرة علي تلك التجاوزات مما أدي إلي ارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل وعدم الشفافية في مواجه تلك الازمات كل هذا دفع أعداداً ليست قليلة من الشباب إلي محاولات الهجرة غير الشرعية إلي خارج البلاد لعلهم يجدون غايتهم في تحقيق حياة كريمة في مجتمع نجح تجار البشر في رسم صورة وردية له.. وساعدت في ذلك انتشار ثقافة الاغتراب التي أدت إلي عدم الاهتمام بالوطن أو الدين أو حتي اللغة العربية. الانتماء يا سادة يعني الولاء الصادق والارتباط الخالص بالدين والوطن فكراً ومشاعراً ووجداناً والثبات علي المبدأ مهما حدث من تقلبات وأزمات.. فالتماسك هنا يظهر بالفعل مدي محبة الفرد لوطنه أو دينه والاعتزاز به والتضحية من أجله. وحتي لا يكون حديثنا مجرد شعارات فلابد أن نعترف بالفعل أن هناك مشكلات كثيرة تمر بالبلاد حالياً لعل أهمها ارتفاع الأسعار وجشع التجار وضعف الاهتمام بالصحة والقضاء علي الجهل والبطالة.. ان مواجهة النفس بالحقائق هي أول مراحل علاجها.. لابد لنا أن نستثمر كافة المعطيات الممكنة لعلاج مشكلة ضعف الانتماء للوطن من قبل بعض الشباب من خلال زرع روح أكتوبر التي أدت إلي تجاوز الهزيمة.. والاهتمام بالجوانب التي تمس حياتهم مباشرة من تعليم وصحة وفرص عمل.. وقيام الإعلام بدوره المهم في إعادة غرس بذور حب الوطن والتأكيد علي أن ما يمر به حالياً ما هو إلا محطة عابرة من محطات الأزمات التي سبق أن مر بها وتجاوزها.. لابد من العمل علي حسن اختيار الكفاءات من ذوي الخبرة لتقود سفينة الأمل في نفوس هؤلاء الشباب في كافة المجالات.. لابد من مواجهة تجار الموت سواء القائمون علي عمليات الهجرة غير الشرعية أو تغييب عقول الشباب للانضمام لتنظيمات إرهابية والضرب بيد من حديد علي هؤلاء وأولئك.. لابد أن يعود للمدرسة والجامعة دورها وللمسجد والكنيسة دورهما في إعادة تقويم سلوكيات الشباب بمختلف انتماءاته وأفكاره ودفعهم للحفاظ علي مكتسبات وطنهم ورفعة شأنه قولاً وفعلاً وفكراً في أي مجال وكل ميدان. لقد كرم الله مصر بذكره لها في القرآن والإنجيل عدة مرات بشكل مباشر أو غير مباشر.. فلنقدر مصرنا حق قدرها.. ونشكر الله علي أنه خصنا بهذه المنزل الرفيعة.. ولننبذ الخلافات ونطفيء نيران الفتن ما ظهر منها وما بطن.. ولنحافظ علي انتمائنا لهذا الوطن المعطاء مهما تعرض من أزمات.. ونلتزم بالسلوك القويم حياله ونعمل علي رد الجميل له مهما تعرضنا من مواقف وصعوبات نعترف بها جميعاً ولا يجب أن نتغافل عنها اطلاقاً. الإنتماء إذا موجود.. والارتباط ليس مفقوداًَ.. ولكن بقليل من الصبر وكثير من الثقة والأمل والعمل سوف نعبر تلك المرحلة بسواعد أبناء وطن اعطانا الكثير وينتظر منا أن نحافظ عليه ونرد له الجميل.. وتحيا مصر.