يعقد اليوم في العاصمة الكازاخية ¢أستانا¢ مؤتمر دولي تحت عنوان: ¢بناء عالم خال من الأسلحة النووية¢. يحضره عدد من قادة الدول والزعماء السياسيين والدينيين من حوالي 100 دولة في العالم. ويفتتحه رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف.. - يشارك في مناقشات المؤتمر خبراء في نزع السلاح من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ووفود من المنظمات الدولية والإقليمية. ومنظمات المجتمع المدني.. - كما يشارك فيه من مصر السفير محمد شاكر رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية. والسفير هشام بدر مساعد وزير الخارجية. والسيد فادي أشعيا مدير إدارة الحد من التسلح والأمن الإقليمي بجامعة الدول العربية. وكاتب هذه السطور.. - يأتي إنعقاد هذا المؤتمر بمناسبة مرور 25 عاما علي قرار رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف إغلاق أكبر موقع للتجارب النووية زمن الإتحاد السوفييتي السابق في منطقة ¢سيميبالاتينسك¢. التي تقع شمال شرق كازاخستان. والتي شهدت خلال الفترة بين عامي 1949 و1989 إجراء 752 تجربة نووية. بلغت شدة بعضها ضعف قنبلة هيروشيما 20 مرة. فأحدثت تأثيرات مروعة علي حياة الإنسان والحيوان والنبات في تلك المنطقة !!.. - قرار نزارباييف بإغلاق موقع التجارب النووية جاء إستجابة لرغبة شعب كازاخستان. الذي دفع الثمن الأكبر لبناء الإتحاد السوفييتي ترسانته النووية. التي حولت أرض كازاخستان الي ¢مخزن¢ للأسلحة النووية. فضلا عن كميات هائلة من البلوتونيوم واليورانيوم المخصب الجاهز لإنتاج الرءوس النووية. حتي أصبحت كازاخستان رابع دولة في العالم من حيث حجم الترسانة النووية علي أراضيها - بعد الولاياتالمتحدة وروسيا والقاعدة السوفيتية في أوكرانيا -.. *** - بالأرقام كان علي أرض كازاخستان يوم إستقلالها عن الإتحاد السوفييتي في ديسمبر 1991 ترسانة نووية مكونة من: 1200 رأس نووية محملة علي صواريخ باليستية عابرة للقارات. و104 صواريخ باليستية من طراز إس إس 18 التي يبلغ مداها 1200 كم. كل منها مزود بمقدمة إنشطارية تحمل 10 رءوس حربية ذاتية التوجيه نحو أهداف متعددة مستقلة. هذه الصواريخ كانت ترتكز علي 148 قاعدة إطلاق منتشرة في أنحاء كازاخستان.. - بالمقارنة نجد أن حجم الترسانة النووية علي أرض كازاخستان وحدها زمن الإتحاد السوفييتي. كان يفوق أحجام الترسانات النووية مجتمعة لكل من بريطانيا "296 رأس نووي" وفرنسا "512" والصين "284".. - كان أيضا علي أرض كازاخستان قاعدة جوية للفرقة الجوية السوفيتية 79. بها أسطول من المقاتلات والقاذفات طراز "خ - 6" و"خ - 16" المزودة بقنابل نووية وقذائف بعيدة المدي.. - لم تكن هذه المعلومات متوفرة لأحد من أبناء الشعب الكازاخي. كانوا يشاهدون فقط وميضا في السماء وسحابة علي شكل عش الغراب. كلما أجري السوفييت تجربة نووية. كان معدل إجراء هذه التجارب مرة كل 3 أسابيع. وكانت تفرض عليها سرية شديدة. وتهديدات للمواطنين بالإعدام إذا نطق أحدهم ببنت شفة عن هذه التجارب.. - بإختصار. كانت أرض كازاخستان مختبرا للتجارب النووية السوفيتية. هذه الحقائق بدأت تتكشف في الشهور الأخيرة فقط من عمر الإتحاد السوفييتي.. - وبينما كانت المظاهرات تخرج في دول البلطيق الثلاث "ليتوانيا. وأستونيا. ولاتفيا" تطالب بالإنفصال عن الإتحاد السوفييتي. خرجت المظاهرات في كازاخستان عام 1989 تطالب بوقف التجارب النووية. وظهرت حركة شعبية مناهضة للأسلحة النووية بقيادة الشاعر الكازاخي المعروف ¢أولجاس سليمانوف¢. حملت أسم ¢نيفادا - سيميبالاتينسك¢. في إشارة مشتركة الي كل من صحراء نيفادا بالولاياتالمتحدةالأمريكية حيث يجري الأمريكان تجاربهم النووية. وصحراء سيميبالاتينسك في كازاخستان حيث يجري السوفييت تجاربهم النووية.. *** * مع تولي الرئيس نور سلطان نزارباييف السلطة في كازاخستان بعد إستقلالها عن الإتحاد السوفييتي في ديسمبر عام 1991. بدأت توضع أمامه الحقائق التي لم يكن يعرفها سوي النخبة العسكرية الأعلي في الجيش السوفييتي. يقول نزارباييف: ¢كانت المعلومات التي قدمت لي جديدة لم أسمع بها من قبل. كانت علي درجة كبيرة من السرية لا يعلمها إلا كبار الضباط في الجيش الأحمر فقط¢ !! * بدأ نزارباييف في معاينة قواعد الصواريخ النووية ومنصات إطلاقها بإعتباره رئيس الدولة التي تمتلك هذه الترسانة النووية. يصف شعوره عندما رآها لأول مرة بالقول: ¢كان هناك بالفعل بعد شيطاني في مجموعة الصواريخ الباليستية المدمرة ذات الرءوس الحربية المنفصلة التي تجثم علي أراضينا. كانت أحجامها فقط تصيب المرء بالضآلة. ولم أشعر مطلقا بالراحة عندما كنت أنظر الي أجسام تلك الشياطين الضخمة التي يبلغ طول الواحد منها 34 مترا وقطره 3 أمتار. لقد كان مجرد التفكير في وجود هذه الصواريخ يثير في نفسي إحساسا بالفزع والرعب. وكان يتملكني شعور بأنه يمكن بتصرف شيطاني غير متوقع في أية لحظة أن تفتك هذه الصواريخ بشعب بلادي¢! * لم يكن الخطر علي كازاخستان من الصواريخ النووية فقط. بل كان أيضا من مستودع تخزين اليورانيوم عالي التخصيب الذي تم إكتشافه بالصدفة في مصنع ¢أولبا¢ للحديد والصلب بالقرب من مدينة ¢أوست- كامينوغورسك¢. كمية اليورانيوم التي عثر عليها 600 كيلو جرام تكفي لصنع 20 قنبلة نووية علي الأقل. كذلك تم إكتشاف شحنة لم يتم تفجيرها من البلوتونيوم المشع مدفونة في أنفاق عميقة في ¢سيميبالاتينسك¢..! * علي الفور قام الرئيس نور سلطان نزارباييف بإبلاغ السلطات العسكرية في موسكو. لكنه فوجئ بأنهم ليس لديهم أية فكرة عن هذه المواد. فمع إنهيار الإتحاد السوفييتي ضاعت الأوراق والسجلات التي تحوي بيانات الترسانة النووية. لقد فوجئ نزارباييف بعدم إكتراثهم بالأمر. وقالوا له ما معناه: ¢ليس لنا شأن بما تقوله. خذوا المواد التي عثرتم عليها في أراضيكم. إنها من إكتشافكم¢!!.. * يصف الرئيس نزارباييف ذلك بالقول: ¢لابد أن الروس كان لديهم معلومات عن هذه المواد. فالإتحاد السوفييتي كان دولة واحدة. ولابد أن السجلات الخاصة بالمخازن النووية كانت جميعها محفوظة في مكان واحد يفترض أنه موسكو. في البداية ظننت أن هذا المخزون من اليورانيوم المخصص لصنع الأسلحة. كان جزءا من المخططات العسكرية السرية للإتحاد السوفييتي عندما كان يخطط لشن حرب علي الصين في الستينيات من القرن الماضي. ولهذا السبب قام الجيش السوفييتي بإقامة قواعد عسكرية في باطن الأرض في جميع أنحاء شرق كازاخستان "بإعتبارها محاذية للصين". لكن بغض النظر عن الهدف أو السبب الأصلي. خلصت في النهاية الي أن القيادة العسكرية في موسكو قد أضاعت ببساطة السجلات. ونسيت موضوع مخزن اليورانيوم في ¢أولبا¢. فهم قالوا لنا صراحة بأن هذا إكتشافنا ونحن أحرار في التصرف فيه بأنفسنا¢!!.. *** قررت كازاخستان التخلص من ترسانة الأسلحة النووية التي كانت تجعلها رابع أكبر قوة نووية علي مستوي العالم. لكن القرار لم يكن سهلا ! * فرغم إجماع الشعب الكازاخي علي ضرورة وقف التجارب النووية. بسبب الثمن الباهظ الذي دفعوه علي مدي أربعة عقود نتيجة هذه التجارب. إلا أنهم إنقسموا بشدة حول القرار الذي يجب إتخاذه بشأن ترسانة الأسلحة النووية الموجودة علي أرض كازاخستان..! * كان بينهم الصقور التي رأت الإحتفاظ بهذه الترسانة بشكل دائم تحت السيطرة الكازاخية كسلاح ردع. ضد أي طامع تسول له نفسه الإعتداء علي أرض كازاخستان المليئة بالخيرات والثروات المعدنية !! * كان هناك أيضا من يؤيد الإحتفاظ بهذه الترسانة لبضع سنوات فقط. حتي تتمكن كازاخستان من الحصول علي ضمانات أمنية بالسيادة والإستقلال من القوي النووية في العالم.. * وكان هناك الحمائم ودعاة السلام الذين يطالبون بالنزع الفوري والشامل من طرف واحد لكل الأسلحة النووية الموجودة علي أرض كازاخستان.. * في النهاية انتصر رأي الحمائم. وتخلصت كازاخستان من أسلحتها النووية .. * الآن يحاول الحمائم في كازاخستان تخليص العالم كله من الأسلحة النووية. إنها مهمة صعبة بلا شك. لكنهم لم يفقدوا الأمل. هذا هو الموضوع الذي يناقشه مؤتمر اليوم في العاصمة الكازاخية الجديدة أستانا..!