لا شك أن فكرة تعميم الخطبة المكتوبة المقروءة بالنسبة لنا ليس مجرد رأي. إنما هي فكرة مدروسة دراسة جيدة واعية. بل إنها أخذت قدراً كبيراً من الدراسة والمشاورة مع كثير من العلماء والمثقفين والمفكرين وبعض السادة النواب. وأنها ليس ذات أي مغزي سياسي. كما أنها لا تؤدي ولا يمكن أن تؤدي كما يقال إلي قتل الابداع. فلدي الإمام المتخصص متسع بالدروس والندوات والقوافل ووسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة. أما الجمعة فهي شعيرة لا ينبغي الخروج بها عن مغزاها الشرعي إلي أية أمور سياسية أو حزبية أو طائفية أو المتاجرة بها لصالح جماعة أو حزب أو فصيل. كما لا ينبغي استخدامها للحشد الحزبي أو تحويلها إلي أداة فرقة وانقسام بدلاً من أن تكون وسيلة جمع وتأليف للقلوب والنفوس. وكان الإمام أحمد بن حنبل "رحمه الله" يري أن الخطبة المكتوبة أوثق وأضبط. وأكثر احتراماً لعقلية المستمع ذلك أن بعض الخطباء قد لا يملك نفسه في ضبط الوقت فيحبس الناس علي اختلاف ظروفهم وقتاً مبالغاً فيه وفيهم المريض وغير المحتمل للجلوس لهذا الوقت إضافة إلي مخالفة هذه الإطالة للسنة فخطب النبي "صلي الله عليه وسلم" وخطب أصحابه وخطب التابعين وأهل العلم تتسم بالبلاغة والإيجاز و أطول خطبة وصلت إلينا من خطب رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وهي خطبته "صلي الله عليه وسلم" في حجة الوادع لا تصل إلي نحو اثنتي عشرة دقيقة. وأكثر خطبه "صلي الله عليه وسلم" وخطب أصحابه وخلفائه الراشدين تقل زمنا عن ذلك بكثير. وجمهور الفقهاء علي أن من علامة فقه الرجل قصر الخطبة وإطالة الصلاة. حيث يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة" "المستدرك للحاكم". هذا إضافة إلي أن هذه الإطالة غالباً ما تشتت الموضوع بما يربك المستمع أو الملتقي ويشتت ذهنه وتركيزه وربما يصرفه ذهنياً عن الخطبة بالمرة. وقد ناقشت بعض العلماء والخطباء ممن يلتزمون بالخطبة المكتوبة المقروءة هل يؤثر ذلك علي أدائهم. فأجابوا بالنفي القاطع. وبأن الخطبة المكتوبة المقروءة تزيد من تمكن الخطيب ذلك أن ذهنه لا يكون مشغولاً بالاستذكار. إنما يكون جل تركيزه علي الأداء أما التفاعل مع الفكرة فلا علاقة له بالقراءة أو عدمها إنما يرتبط بمدي قناعة المتحدث بالموضوع الذي يتناوله. غير أن بعض الناس قد ينفرون من كل جديد. سواء أكان اجتهاداً فكرياً أم تنظيمياً إدارياً. وربما يكون ذلك بحكم العادة والارتباط والركون إلي المألوف وإن كنا نري أيضاً أن بعض أصحاب المصالح والاتجاهات الفكرية والتنظيمية لا يمكن أن يروق لهم ذلك. إذ يرونه تضييقاً عليهم وهو في الواقع سد لبعض منافذ الفتنة والاستغلال الخاطئ للمنبر. والاستغلال السياسي للدين أو المتاجرة به وقد أكدنا ومازلنا نؤكد وسنظل نؤكد أن موضوع تعميم الخطبة الموحدة المكتوبة المقروءة ليس سياسياً إنما هو محاولة جادة لإعادة صياغة وتشكيل أسس الفهم المستنير وفق منهجية علمية مدروسة وشاملة.