"قفزة الضفدع" هو مصطلح يعبر عن السياسة الإسرائيلية في إفريقيا . التي تهدف الي القفز فوق المحيط الإقليمي العربي الرافض لوجود اسرائيل. الي محيط أوسع من الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء .. - هذه السياسة بدأتها اسرائيل منذ قيامها عام 1948 . حيث كانت تبحث لنفسها عن شرعية الوجود كدولة عضو في المجتمع الدولي . صحيح أن القرار 181 الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر1947 قد أعطي لإسرائيل هذه الشرعية وخصص لها مساحة 56,5% من أرض فلسطين . إلا أن اسرائيل ظلت تبحث دائما عن علاقات طبيعية مع دول العالم . لاسيما في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية . ومنها الدول الإفريقية بالطبع . التي ترجع أهميتها الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل الي 4 أسباب : 1- تأمين مدخل البحر الأحمر . لما له من خطورة علي أمن اسرائيل . لعل ذلك هو ما دفع بن جوريون أثناء حرب 1948 الي إصدار تعليماته الي موشي دايان بأن ¢يضحي بأي شئ في سبيل موطئ قدم علي شاطئ البحر الأحمر¢ . فقامت القوات الإسرائيلية بالاستيلاء علي قرية "أم الرشراش" المطلة علي خليج العقبة . التي أصبحت بعد ذلك ميناء "إيلات"!! - منذ ذلك الوقت بدأت أنظار اسرائيل تتجه الي منطقة القرن الإفريقي لتأمين موطئ قدم أخري لها بهذه المنطقة . التي تتحكم في مدخل البحر الأحمر من جهة الجنوب . ونجحت بالفعل بالاتفاق مع أثيوبيا - قبل استقلال إريتريا - في إقامة قاعدة عسكرية لها في جزر ¢دهلك¢ المقابلة لميناء ¢مصوع¢ الذي أصبح الميناء الرئيسي لإريتريا . وعندما حصلت إريتريا علي استقلالها عام 1991 . اتفقت معها اسرائيل علي استمرار تواجدها في جزر ¢دهلك¢ . مقابل مساعدات عسكرية واقتصادية ودعم سياسي من الولاياتالمتحدة في المحافل الدولية .. وقامت اسرائيل بتزويد قاعدتها العسكرية في ¢دهلك¢ بمحطة مراقبة متقدمة للتنصت علي السعودية واليمن والسودان . بالإضافة الي محطة لتزويد الغواصات الإسرائيلية في البحر الأحمر بما تحتاجه .. "المصدر : صحيفة "التايمز" البريطانية عدد 27/6/1998 نقلا عن نشرة "فورين ريبورت" التي تصدر في لندن". - في نفس الوقت احتفظت اسرائيل بعلاقات قوية مع أثيوبيا . وأقامت معها مشروعات سرية في مجال الصناعات العسكرية . كما أرسلت اليها مستشارين عسكريين ومدنيين بهدف الحصول علي موطئ قدم ثالث لإسرائيل في قلب القارة الإفريقية ومنطقة منابع النيل. 2- الجاليات اليهودية في إفريقيا . التي تمثل جزءا لا يستهان به من عدد اليهود في العالم . سواء اليهود السفارديم في شمال إفريقيا . أو اليهود الأشكيناز الذين قدموا الي إفريقيا من شمال وشرق أوربا هربا من الاضطهاد المسيحي لهم في القرن التاسع عشر . أو يهود الفلاشا في إثيوبيا الذين كان يطلق عليهم القبيلة المفقودة في التاريخ الإسرائيلي لكونهم من أفقر الجاليات اليهودية في العالم . أو يهود جنوب إفريقيا الذين يأتون بعد يهود الولاياتالمتحدة من حيث قوة التأثير والثراء .. - هذه الجاليات كانت من أهم العوامل التي شكلت السياسة الإسرائيلية في إفريقيا . وقد ساهمت بنسبة 20% من إجمالي عدد اليهود المهاجرين من دول العالم الي اسرائيل خلال الفترة من 1948 الي 1995 - فإذا أضفنا الي ماسبق أن أوغندا كانت إحدي الدول المرشحة لتكون الوطن القومي لليهود بدلا من فلسطين . ندرك الأهمية التي تمثلها القارة الإفريقية في الوجدان الإسرائيلي .. حتي أنه تم الربط بين اليهود والأفارقة الملونين باعتبارهما ضحايا التمييز العنصري . وأنهما أصحاب تجربة تاريخية ونفسية مشتركة .. 3- تري اسرائيل أن منطقة منابع النيل في إفريقيا . تمثل بالنسبة لها عمقا استراتيجيا في الصراع مع الدول العربية . وهي ¢نظرية شد الأطراف¢ التي عبر عنها بن جوريون .. حيث يمكن عن طريق توثيق العلاقات مع دول هذه المنطقة . التأثير في كمية مياه النيل التي تصل الي كل من مصر والسودان . مما ينعكس بالسلب علي الوضع الاقتصادي والاستقرار في هاتين الدولتين . ويمثل أداة ضغط لإسرائيل علي كل منهما .. 4- تمثل دول جنوب الصحراء الإفريقية بالنسبة لإسرائيل مجالا خصبا للاستثمار والمشروعات المشتركة . فهذه الدول تمتلك الثروات الطبيعية والمواد الأولية اللازمة للصناعة . واسرائيل تمتلك الأموال والخبرات التكنولوجية . لذلك انتشر المئات من رجال الأعمال الإسرائيليين في مختلف دول القارة لاستخراج الألماس من أنجولا . واليورانيوم من النيجر . والبترول من نيجيريا . والذهب من وسط أفريقيا . وهكذا .. ! *** هذه مقدمة أردت بها الإشارة الي أن الجولة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي في 4 دول إفريقية . علي رأس وفد كبير يضم عدداً من الوزراء و قرابة 80 من رجال الأعمال الإسرائيليين ليست حدثا استثنائيا مفاجئا . بقدر ماهي استعراض سياسي وإعلامي ..! - يجب ملاحظة أن هذه الجولة الاستعراضية . جاءت في فترة ¢استثنائية¢ من تاريخ اسرائيل . تعيش فيها الدولة العبرية حالة استرخاء وطمأنينة لم تشهد لها مثيلا من قبل . سواء بسبب حالة الاقتتال الداخلي التي تشهدها كل من سوريا وليبيا والعراق . أو بسبب حالة الإنقسام الفلسطيني التي تزداد عمقا يوما بعد يوم .. فلم يعد أحد في سوريا يطالب بتحرير الجولان . ولا أحد في فلسطين قادر علي وقف بناء المستوطنات وتهويد القدس ..! - لكن ذلك لا يعني عدم الاكتراث بالنتائج التي حققتها جولة نتنياهو في إفريقيا . سياسيا واقتصاديا . علي رأسها بالطبع الحصول علي تأييد عدد من دول القارة لحصول إسرائيل علي صفة ¢عضو مراقب¢ في الاتحاد الإفريقي .. إنما المهم الآن هو ألا تتحقق نتائج هذه الجولة خصما من رصيد العلاقات العربية الإفريقية .. - هذا بالضبط ما أكد عليه السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في تصريحاته للصحفيين منذ أيام . قال : ¢إن العلاقات العربية الإفريقية جيدة في مجملها . وإنها لا ينبغي أن تتأثر سلباً بالجولة التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي في عدة دول افريقية¢ .. - ذكر أبو الغيط بالمواقف المبدئية التي اتخذها الاتحاد الإفريقي في المحافل الدولية لدعم القضية الفلسطينية . كذلك القرارات الملزمة للدول الأعضاء فيه بشأن الصراع العربي الإسرائيلي . مشيرا الي أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو الضيف الدائم علي جميع القمم الإفريقية. . - ووصف الأمين العام للجامعة العربية جولة رئيس الوزراء الاسرائيلي في أربع دول إفريقية مجاورة للإقليم العربي بأنها تسعي في الأساس الي كسر العزلة الدولية التي تعاني منها اسرائيل بسبب استمرار احتلالها للأراضي العربية وممارساتها العنصرية . قال إن اسرائيل تعمل علي الترويج لنفسها باعتبارها دولة عادية قادرة علي المساهمة في توفير الأمن والتنمية للآخرين - كما أعرب عن ثقته في أن الدول الإفريقية علي اختلافها وتنوعها . التي كافحت من أجل استعادة حريتها . تدرك تماما معني الاحتلال والاستعمار . معربا عن أمله في ألا تسمح الدول التي شملتها تلك الجولة بأن تكون العلاقات الإسرائيلية معها خصماً من رصيد تأييدها الواسع والتاريخي للحقوق الفلسطينية المعروفة .. *** في النهاية أستطيع القول : إنه رغم الطابع الاستعراضي لجولة نتنياهو في إفريقيا . إلا أنها أضافت الي ساحة الصراع العربي الإسرائيلي التقليدية في الشرق الأوسط . ساحة جديدة هي منطقة منابع النيل ووسط إفريقيا.. * صحيح أن اسرائيل متواجدة في هذه المنطقة منذ عدة عقود كما سبق أن أشرت . لكنها الآن نجحت في أن تضفي علي هذا التواجد صفة ¢الشرعية¢ . بدلا من صفة ¢العلاقة السرية¢ .. والفارق كبير سواء من حيث الممارسة أو النتائج ..! * الجولة أضافت أيضا الي طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي بعدا جديدا . هو البعد الإقتصادي . الي جانب البعد العسكري .. * الطابع الإستعراضي للجولة . والحفاوة التي استقبل بها نتنياهو من الرؤساء الأفارقة . يمثل في حد ذاته تحديا سياسيا للدول العربية يجب الرد عليه . والرد عليه من وجهة نظري يتمثل في الخطوات التالية : 1- تأسيس ¢آلية¢ تعمل علي زيادة التنسيق بين مجموعة الدول العربية الأعضاء في الاتحاد الإفريقي" 9 دول" لتوحيد مواقفها السياسية داخل الاتحاد . وعقد قمة لرؤساء الدول العربية التسع قبل كل قمة إفريقية . للاتفاق علي موقف عربي موحد إزاء أي قضية علي جدول أعمال القمة الإفريقية .. 2- ربط تقديم المساعدات المالية من دول الخليج العربي الي الدول الإفريقية . التي تقررت في القمة العربية الإفريقية الأخيرة بالكويت في نوفمبر 2013 . بالتزام الدول الإفريقية بمواقفها السابقة إزاء القضايا العربية .. 3- المطالبة بنقل مقر الأمانة العامة للاتحاد الإفريقي من أديس أبابا الي إحدي العواصم الإفريقية الأخري .. بسبب عدم احترام أثيوبيا للاتفاقيات الدولية الخاصة بتوزيع مياه النيل . واعتداءاتها المستمرة علي دول الجوار "إريتريا والصومال". ودعمها لسياسة إسرائيل التي تقوم علي الاحتلال والتمييز العنصري ..