* من المؤكد أن الجميع يخسر في معركة نقابة الصحفيين والداخلية علي خلفية اقتحام الأخيرة لمقر الأولي للقبض علي صحفيين » تنفيذًا لأمر ضبط وإحضار بحقهما.. وأيًّا ما تكن صحة رواية الداخلية أو موقف مجلس النقابة مما جري.. فقد كان الحل بسيطًا لو أن الداخلية لجأت إلي مواءمة سياسية باستئذان مجلس النقابة ورئيسه قبل الدخول للمقر احترامًا للقانون. ولعدم إعطاء فرصة لمن يتربصون بها لإشعال الشارع ضدها مرة أخري خصوصًا بعد الجدل والصخب اللذين تفجرا علي خلفية الإعلان عن ترسيم الحدود بين مصر والسعودية. وما تبعه من لغط ومظاهرات حول جزيرتي تيران وصنافير. أما الزملاء أعضاء مجلس نقابة الصحفيين فأحيلهم إلي ما كتبه زميلنا الكاتب الصحفي الكبير محمد أبوالحديد في مقاله بالجمهورية الأسبوعي عدد 28 أبريل الماضي.. إذ يقول في كلمات قاطعة ¢ عاشت نقابة الصحفيين أكثر من نصف قرن. أي ما يزيد علي ثلثي عمرها ¢ بدون سلالم ¢ قبل أن يتم إنشاء مبناها الحالي بسلالمه الشهيرة. وطوال تلك الفترة الممتدة. لم تكن النقابة بمبناها القديم. ذي الحديقة الواسعة. ساحة للتظاهر من جانب أي فئة من فئات الشعب أو ميدانًا لعرض مطالب فئوية فردية أو جماعية. أو مهاجمة مؤسسات الدولة وقياداتها ورموزها. كان كل صاحب قضية. أو رأي. أو مطلب. يتجه بقضيته أو رأيه أو مطلبه إلي الصحافة. وليس إلي النقابة.. هكذا رأي زميلنا أبو الحديد دور النقابة ورسالة الصحافة رغم ما بينهما من تداخل وتكامل والتحام.. وهنا تحضرني أجواء القانون 93 المعروف بقانون اغتيال الصحافة. وكنت وقتها أمينًا عامًا لنقابة الصحفيين التي واجهت بشجاعة ما كان يحاك للجماعة الصحفية من تضييق للحريات وتكميم للأفواه. وحاول بعض الفصائل السياسية» كالإخوان وبعض الأحزاب.الدخول علي خط المواجهة. وركوب موجة غضب الصحفيين. وعرضوا المشاركة معنا في التصدي للقانون المشبوه والنضال لإسقاطه..لكن مجلس النقابة رفض بشدة ¢ تسييس القضية ¢. وفضَّل أن تبقي المعركة في دائرة أهل المهنة يدافعون عنها بلا تدخلات خارجية. وبلا أطياف سياسية. اعتمادًا علي الحوار والاعتراض والانعقاد الدائم للجمعية العمومية للصحفيين حتي تحقق المراد. واستجابت الحكومة. وقابلنا جميع المسئولين المعنيين بالقضية. وعلي رأسهم رئيس الجمهورية الأسبق الذي قابلناه مرتين. ونجحنا بتوحد الجماعة الصحفية خلف مجلسها في إقناع الرأي العام والحكومة بصحة موقفنا فتراجعت الدولة عن هذا القانون.. وانتصرت حرية الرأي والتعبير بلا مزايدات ولا أحلاف مسيّسة. هدفها الإثارة وتصفية الحسابات استغلالاً لقضيتنا العادلة. نعود لما قاله أبو الحديد فيضيف: ¢وكانت أبواب الصحف وصفحاتها. سواء الصحف القومية. أو الحزبية. أو الخاصة بعد ذلك مفتوحة دائمًا لكل هؤلاء. تعرض قضاياهم. وتنشر آراءهم.وتتبني مطالبهم المشروعة. وتدافع عن كل مظلوم حتي يتم إنصافه. وتساند كل صاحب حق حتي يستعيد حقه. وما زالت الصحافة المصرية. بكل مكوناتها. تمارس هذه المهنة. وستظل كذلك. فلهذا تصدر الصحف لتعبر عن الشعب. وتحمي حقوقه وحريته في التعبير. وتدافع عن قضاياه. في نفس الوقت الذي تنير أمامه الطريق. وتسهم في زيادة وعيه السياسي والثقافي والاجتماعي. حتي يكون قادرًا علي معايشة عصره. وإطلاق أحلامه. والتعرف علي التحديات والمخاطر التي تحيط به. أو تعترض مسيرته. هذا هو دور الصحافة الذي لم. ولن تتخلي عنه. أو تقصر فيه تحت أي ظرف. باختصار: هل سلالم مجلس النقابة. وإتاحتها كمنبر لكل من هب ودب. دون تمييز -كما يحدث أحيانًا الآن- لإطلاق ما يشاء من الشعارات أو الهتافات. هو ما صنع أو يصنع الدور الوطني لنقابة الصحفيين؟! مخطئ تمامًا من يتصور ذلك. فالنقابة خلال تلك الفترة الممتدة. وبدون سلالم للتظاهر. وبدون قاعات للإيجار أو الاستضافة.لعبت أقوي أدوارها السياسية.. خاضت -في مقدمة الصفوف- كل معارك الوطن. ودافعت عن كل قضايا الشعب. وهذا ما جعلها تستقر في الذاكرة الوطنية. كرمز من رموز نضال المصريين في تاريخهم الحديث¢. علينا. صحافة ونقابة. أن نتخذ المواقف الصحيحة. ولا نقود المهنة أو الرأي العام في الاتجاه الذي يفاقم المشاكل..لابد أن تكون القيادة بوعي وحس وطنيين.. إن مبني النقابة ملك لكل الصحفيين وليس لمن يقيمون فيه.. وكذلك الصحافة ملك لكل المصريين. وليس لمن يعملون بها وحدهم.. وهذه -في رأيي- هي البوصلة الصحيحة التي يجب أن نلتزم بها جميعًا. سواء في قيادة المهنة أو الرأي العام¢. * انتهي كلام أبو الحديد وبقي أن نتساءل: متي يضاعف مجلس النقابة اهتمامه بقضايا المهنة ومشكلات الصحفيين..وما أكثرها وأعقدها. بدءًا بالأجور مرورًا بتدني ما يقدم لهم من خدمات كالسكن والتدريب والصحة. وتناقل الخبرات بين الأجيال لتعليم الشباب كيف صنع الرواد مجد صاحبة الجلالة.. متي نري مؤتمرات يدعي لها متخصصون وخبراء حقيقيون للإجابة عن تساؤلات المرحلة: كيف يمكن للصحف المطبوعة مواجهة تحديات العصر من ارتفاع لتكلفة الطباعة و تراجع توزيعها بعد عزوف الفقراء عن شرائها» استغناء بالتكنولوجيا الحديثة التي جعلت تصفح المواقع الإلكترونية أسهل وأسرع كثيرًا من شراء جريدة ورقية.. فضلا عن مشاكل الصحفيين في الصحف الخاصة التي أوقف بعضها صرف حقوقهم.. وهناك المعاشات الضئيلة التي يتقاضاها الصحفيون المحالون إلي المعاش. والتي تعد وصمة عار علي جبين مهنة الصحافة. وانتهاء بأزمات الصحف القومية وتليفزيون الدولة وديونهما التي تخطت الحدود. ظني أن مجلس النقابة لو أفلح في حل مثل هذه المشكلات المزمنة فسوف تحسب له. وتضاف إلي رصيده وإنجازاته. وتبقي راسخة في أذهان الجمعية العمومية للصحفيين. كنت أرجو من مجلس النقابة أن يدرس أسباب عزوف الصحفيين عن حضور جمعياتهم العمومية التي لم تكتمل إلا نادرًا. حتي في الاحتفال بالعيد الماسي لنقابتهم.. أين دورها في ابتعاث قيم وتقاليد مهنية عريقة باتت أثرًا بعد عين.. أين المهنية والحرفية.. كنت أرجو لو تنادي مجلس النقابة لتكريس تلك القيم عبر تعظيم التواصل بين الأجيال. وعقاب من يهدرون تلك القيم وردعهم. جنبًا إلي جنب المطالبة بالحريات التي لا خلاف علي أهميتها.. وأتساءل ماذا فعلت النقابة مع الحملات الإعلامية السافرة ضد مصر في صحف أمريكية وأوروبية ومواقع إلكترونية أجنبية. هل تواصلت مع نقابات الرأي في تلك الدول لشرح حقائق ما يجري وتفنيد ما يساق من مزاعم مشبوهة. هدفها التشويه والإساءة لسمعة مصر وزعزعة استقرارها. نقابتنا حصن كرامتنا وحريتنا نرجو لها كل ازدهار دفاعًا عن حقوق الصحفيين وحرياتهم من أي بطش أو انتهاك لحقوقهم.. نتمني أن تسترد تلك النقابة العريقة سلالمها من عابري السبيل» حتي لا تتلاطم عليها أمواج السياسة وشطحات المُسيسين والمخربين. وفي النهاية أقول للجميع: أتقوا الله في الوطن حتي لا نعطي فرصة للمتربصين لمؤسسات الدولة. * سلطة القانون إذا تراجعت فلا بديل غير دولة الفوضي وشريعة الغاب. من ثم فلا مخرج من أزماتنا إلا بتطبيق القانون بحسم وإظهار العين الحمراء لكل من تسول له نفسه خرقه أو إثارة الفوضي أو تعريض البلاد لخطر الانقسام المفضي إلي التناحر والاحتراب اللذين أديا إلي ضياع دول عديدة من حولنا. خرجت منها أجراس إنذار تدوي في آذاننا بضرورة اليقظة والحفاظ علي بلدنا من مصير مشابه..وظني أن الدولة قادرة علي إقرار هيبتها والضرب بيد من حديد علي أيدي المتجاوزين.ومن تسول له نفسه هز استقرارها أو معاونة أعدائها هدمًا وتخريبًا. كفي ما عاناه الشعب ولا يزال من الفوضي والانفلات اللذين أعقبا ثورة يناير في ظل غياب دور فعال لأحزاب حقيقية.أو إعلام محترف ملتزم بأولويات الوطن. وأولها بث رسائل إيجابية للناس ليس بتجميل وجه الحكومة. وإخفاء سلبياتها بل بالمصارحة والموضوعية والشفافية وربط المواطنين بدولتهم. وابتعاث روحهم الوطنية لدعم خططها ومشروعاتها واقتصادها القومي.. والسؤال: هل يمكن للإعلام القومي والخاص النهوض بشيء من ذلك وهما علي حالتهما الراهنة أم أنهما بحاجة لتغيير جذري يبدأ من حل إشكالية الملكية والإدارة ورفع الكفاءة والمهنية ومنع تدخل رأس المال أوسيطرة الحكومة. الصحف القومية وتلفزيون الدولة في حاجة لإصلاح عاجل وتطوير وتدريب وإعادة هيكلة لاستعادة دورهما المحوري كرمانة ميزان في تشكيل الرأي العام. والحفاظ علي الأمن القومي.. وهو ما تدركه أجهزة الدولة جيدًا. وتعلم حجم الترهل والديون وتراجع التأثير لهذا المرفق الحيوي الذي تركته حكومات متعاقبة قصدًا وإهمالًا.. وليت أزمة النقابة مع الداخلية تكون بداية لإعادة النظر في هذا الملف برمته لتأهيل الإعلام ليقوم بوظيفته المأمولة في ممارسة النقد البناء وليس الدفاع عن سياسة الحكومة أوالتغطية علي قصورها حتي يستعيد الطرفان - الحكومة والإعلام - ثقة الشارع. أما الإعلام الخاص المهتم بتصيد الأخطاء ونشر السوداوية. وطمس إنجازات الحكومة وتشويش الوعي وتنفيذ أجندات خاصة..فعليه هو الآخر إصلاح ذاته. وتقويم أدائه والتحلي بالموضوعية. وإعلاء المصالح العليا للبلاد والالتزام بسياسة إعلامية واضحة غايتها الوطن ليس أهداف الممولين والمعلنين حتي تعود للمهنة مصداقيتها واعتبارها» فوعي الوطن يتشكل بالإعلام بعد التعليم والتنشئة الأسرية.. أما ما نراه الآن فهو كما يقول عالم النفس د. أحمد عكاشة إعلام منفلت. وكل إعلامي فاكر نفسه عظيمًا خصوصًا بتوع التليفزيون الذين قال لأحدهم "أنتم منفوخين" وكل واحد فيكم فاكر نفسه زعيم سياسي.. نريدها رسالة تنوير لا حرب تشويش وصراعات مصالح.