هل كانت عملية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية عملية طارئة نشبت فجأة رغم حسمها لصالح السعودية؟ طبعاً لا.. ولكن الأمر بدا كذلك.. فشلت الحكومة المصرية في إدارة ملف هذا الموضوع وتقديمه للرأي العام.. وكانت هذه هي النتيجة التي نعيشها هذه الأيام من اتهامات واتهامات متبادلة. منذ شهور عندما وقع بيان القاهرة جاء البند الأخير في البيان حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ويومها تساءلت - وتساءل غيري كثيرون - ما هو المقصود من ذلك؟.. لأن جزيرتي تيران وصنافير اللتين احتلتهما مصر بموافقة سعودية لمواجهة عدوان إسرائيل.. حاولت أن أسأل من أعرفه من مسئولين في نطاق معارفي.. حول المقصود من هذا البند.. "ترسيم الحدود البحرية".. فلم أجد جواباً من أحد.. انتظرت أن يخرج مسئول في أي جهة ليفسر لنا هذا البند فلم يحدث شيء من هذا.. ومرت شهور وجاءت الزيارة الكريمة.. والتاريخية بحق.. لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز ليفاجأ الجميع بخبر عن توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين دين.. يوقعه رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل وسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. ودون أن يعرف أحد ماذا كان في هذا الاتفاق الذي تم توقيعه.. واستمر الصمت بعده ليومين كاملين.. لا أحد يعرف ماذا وقعوا.. وماذا اتفقوا عليه.. ثم كان أخيراً البيان الهزيل لمجلس الوزراء بأن الترسيم أسفر عن أن الجزيرتين سعوديتان.. بيان لم يوقف البلبلة التي نعيشها.. بل زادها.. وكأن الترسيم فقط هو الذي كشف عن أن الجزيرتين سعوديتان.. لم يتعرض البيان الهزيل والضعيف.. وسبب الأزمة التي نعيشها علي مستوي الرأي العام الآن.. لم يتعرض إلي شيء من تاريخ الجزيرتين مع مصر.. ولا كيف تولت مصر إدارتهما.. ولا شيء من خطابات ووثائق متبادلة بين البلدين حول الجزيرتين.. فقط تاريخية لا يفيدان القارئ للبيان بشيء ما.. قرار جمهوري.. ومرسوم ملكي!! شيء عجيب!! لم يفتح الله علي المجهول كاتب هذا البيان أن يشير إلي وقائع تاريخية محددة.. ووثائق محددة توضح حقيقة علاقة السعودية بالجزيرتين.. قبل أن يؤكد ترسيم الحدود أنهما سعوديتان؟! فشل.. ما بعده فشل.. في إدارة قضية.. تحولت إلي أزمة تدفع الكثيرين إلي شكوك لا مبرر لها.. وتوفر للصائدين في الماء العكر فرصة جاءتهم علي طبق من ذهب ليشوهوا كل شيء.. بداية من الرئيس السيسي إلي أصغر فرد يتهمون الكل بأنهم فرطوا وتنازلوا.. والكل باعوا. هل هذا معقول في إدارة قضية كهذه.. نترك للهواة من كتبة البيانات ونقدم الفرصة لأصحاب النيات الطيبة والسيئة من أصحاب الفيسبوك وتويتر وغيره.. بينما أجهزة الدولة في صمت تام؟.. هل هذه معالجة مقبولة لقضية تمس مصير وحياة شعبين شقيقين.. تعالج علي هذا النحو الذي يشوه كل انجاز تحقق خلال هذه الزيارة التاريخية..؟! لقد فشلت الحكومة بامتياز في معالجة هذه الأزمة.. فقضايا الحدود لا يكفي فيها إخبار الناس بنتائجها ببيان هزيل كهذا ولا ينفع معها الصمت والتعتيم دون مبرر.. كان الموضوع يقتضي تمهيداً طويلاً.. حتي لا نقفز فجأة إلي أن الجزيرتين سعوديتان.. مع أن الوقائع السابقة كانت كافية لإيضاح كل الأمور. ولهذا لن يلام الذين وجدوا قماشة صالحة بين أيديهم.. أهدتها لهم الحكومة لكي ينسجوا منها شائعاتهم وبذاءاتهم.. وكنا في غني عن هذا كله لو كان لدينا احترام الرأي العام من جهة والشفافية في إتاحة الوثائق والمعلومات من جهة أخري. التوقيت ايضا نقطة فشل أخري للحكومة. ماذا كان يضر الجميع لو أن حسم ترسيم الحدود تأجل شهوراً.. أو حتي سنوات في مسألة عمرها قرن أو أكثر أو أقل..؟ أم أن هناك أموراً استجدت - ولا نعرفها - أدت إلي الإسراع بهذا الترسيم؟ لو كان هناك فاصل زمني بين الزيارة الكريمة وبين توقيع اتفاق ترسيم الحدود.. يستغل في إيضاح كل الأمور.. ما حدثت البلبلة التي نعيشها الآن. ولا أعتقد أن الصمت والتعتيم الآن يمكن استمرارهما.. انتظاراً لعرض الأمر علي مجلس النواب. لابد أن يتحدث أحد.. أي أحد.. أي مسئول لديه المعلومات الكاملة والموثقة سجل كامل بتاريخ الجزيرتين منذ توقيع اتفاقية 1906 ليكن أحد أعضاء اللجنة التي تولت الترسيم.. أو رئيسها.. مع شخص آخر من الخارجية.. يعرض كل الوثائق المتعلقة بالجزيرتين.. نريد ملفاً كاملاً رسمياً موثقاً من امكانيات واتصالات وإجراءات الطرفين.. نريد شفافية كاملة في عرض الأمر علي الرأي العام.. لنخرس الألسنة التي تتبرع بتهم الخيانة والتفريط.. نريد أن نستغل هذه الفرصة.. أو هذا الخطأ الذي وقعنا فيه.. أو أوقعتنا فيه الحكومة.. لكي نقدم عملاً متكاملاً.. أمام محكمة الرأي العام.. قبل أن تمثل أمام محكمة البرلمان.. الشفافية والحقائق كاملة.. هي الآن المخرج الوحيد من البلبلة التي نعيشها الآن. إني اقترح ملحقاً كاملاً من جميع الصحف المصرية يضم كل الوثائق من خرائط ومكاتبات ووقائع وأحداث.. يصدر في أقرب وقت لينهي هذه البلبلة. * ملحوظة: هذه الكلمات كتبتها صباح أول أمس الاثنين.. قبل أن تظهر إلي القارئ صباح اليوم الاربعاء.. وأرجو أن تكون الحكومة قد تداركت الأمر قبل هذا.