الأناركية إيما جولدمان كانت تحضر حفلا حيث لفت شاب صغير نظرها متجهما إلي وجوب احترام القضية التي تؤمن بها والتي ستضر بها نتيجة تهور أدائها. غضبت جولدمان ذات الأصل الروسي مستنكرة ومتسائلة عما إذا كانت الحركة التي تؤمن بها ستحولها إلي راهبة أو تتحول بدورها إلي دير لأنه لو كان هذا مآلها - كما قالت له - فهي لا تريدها. هذا الموقف ومقولتها يومها تم تطويعها لتصبح : "إن لم أمكن من الرقص فلا أريد أن أكون جزءاً من ثورتكم". أتذكر كيف كنا نهتم بالرقص الشعبي في الستينيات ونذهب لمتابعة عروض الفرقة القومية وكيف ما زالت تأسرني مشاهد الرقص بأفلامنا القديمة سواء لتحية كاريوكا أو سامية جمال أو رقص فريدة فهمي ومحمود رضا. ابتعدنا الآن عن كل هذا وأمتناه ميتة عنيفة ترفع شعار الأخلاق والعرف فبعد التنبيه علي المدارس بالاحتفال بعيد الأم استجابت تلميذات مدرسة في كفر الشيخ. صدقن أن طبقات المنع والحظر علي أنفاسهن سترتفع لحظات وهن يرقصن في بناء مدرستهن. شاهدت الفيديو. كل الطالبات محجبات يقمن بالقفز "التنطيط" حرجا من بعضهن البعض أكثر من أي حركة أخري. لا يتركن أجسادهن لأية حركة حرة خاصة مع تصوير بعضهن للبعض الآخر بالموبايل. قرب آخر الفيديو نزل الفناء مدرس أو أكثر كبير السن بشعر أشيب لا يفعل سوي رفع يديه في الهواء لحظتين ثم ينصرف والبنات تحلقن حول أحد المدرسين يصفقن فقط. هذا هو "العار" الذي لم تتحمله وزارة التربية والتعليم فتم وقف مدير المدرسة ونقل ثلاثة مدرسين منها وتحويل أعضاء لجنة الإشراف والموجهين للتحقيق لعدم الإبلاغ بما حدث. ما الذي حدث؟. بنات كلهن بالحجاب يقفزن لأعلي في فناء مدرستهن يوم عيد الأم فتخرج الوزارة نافضة يديها من خطيئتهن مدعية علي لسان مسئولين بأن المدرسة "لم يكن ضمن برنامجها إذاعة موسيقي والرقص عليها" وترمي في وجوهنا المذهولة بالحجة التي لازمت عصر الردة الاجتماعية والثقافية والنفسية لطبقات كاسحة من مجتمعنا المصري منذ عقود بأن ما حدث "مخالف للقيم والعرف والقوانين". يعني ليس من حق البنات الفرح والتعبير الطبيعي عن البهجة حتي في يوم عيد الأم؟ أم أن وزارة التربية والتعليم رأت استباق رد فعل الأهالي المحافظين بإجراء أغلظ وأعنف في ادعاء "المحافظة".. لكن ما هو بالضبط الذي يحافظون عليه؟ ما هو الذي يخشون منه؟. هل المنع هو الفضيلة؟ هل الإكراه هو الأخلاق؟. انظروا للهند كيف أدخلت الرقص الكلاسيكي من تراثها لمدارسها ضمن مناهج الفنون الرفيعة ليتم تدريسه علي تسع سنوات بعد مسيرة لمائتي راقص وراقصة إلي المسئولين يوم 29 أبريل سيكون اليوم العالمي للرقص. افتحوا أعينكم المدفونة تحت الرمل.. وانظروا!