يقول الأديب السعودي الكبير عبد الله عبد الجبار في تقديمه لكتاب ¢حمار حمزة شحاتة ¢ عن فكرة الكتاب: "إنها فكرة جديدة -أو علي الأقل- في إحساس كاتبها الأديب السعودي فهي حين كتبها قبل ... لم يكن توفيق الحكيم الأديب الجهير قد أصدر كتابه ¢حمار الحكيم¢ و¢حماري قال لي¢ . ولم تترجم كذلك رائعة ¢خيمنيز¢ ¢أنا وحماري¢ وإذا رجحنا أنه قرأ كتاب ¢خواطر حمار¢ للكونتيس ¢دوسيجور¢ فإننا نلاحظ أنه لم يسرق من ذلك الكتاب ولم يتأثر بتلك الخواطر أو المذكرات التي يرجح أن توفيق الحكيم قد تأثر بها واقتبس منها". من هذا النصّ أعلاه نعرف أن الأديب السعودي حمزة شحاتة كان سابقاً لتوفيق الحكيم وحميره. وبالتأكيد أيضاً هو سابق للأديب المصري الساخر محمود السعدني في كتابه ¢عودة الحمار¢. وهو أيضاً سابق لكتاب الكاتب المصري الساخر الآخر ¢يوميات حمار¢. كل هذا الزخم ¢الحميري ¢ في الأدب العربي جعلني أفكّر في تناول الحمير -فكرة لا أكلاً- من منظور مختلف. وعلي طبق آخر.. لذا سآوي إلي ركن شديد. وهو شيخي ¢أبو سفيان العاصي¢ -تجاوز الله عنه-. الذي لا ألجأ إليه إلا في الملمّات الجسام. حيث روي شيخي الفاضل بأنه كان عَطوفًا علي الحيوانات. يلمّ بشأنها ويُدافع عنها.. وأكثر ما كان يَشدّه ويَتعاطف مَعه مِن هذه الحيوانات الحِمار. مُعتبرًا نفسه مَسئولاً عن تَعثر أو وَجع أي حِمار في "الحَارة". مُردِّدًا في جَلساته ومُحاضراته أنَّ الحِمار أكثر الكَائنات الحيّة تَعرُّضًا للظلم عبر التّاريخ. وقد كان شيخنا يقول: ومِن طَريف مَا لاحظته علي الحِمير أنني كُنتُ ذات مرة شاخصًا ببصري أمام التلفاز. أُقلِّب بالرّيموت -أو المُتحكِّم كما يقول الفصحويّون راغبو التّعريب- وإذا بي أُشاهد فيلمًا مِن الأفلام المصريّة القديمة. التي يرجع عَصرها إلي أيام الملك فاروق. وكان المشهد يَضم حِمارًا أبيض اللّون. وسيم الطّلعة..! تَأمَّلت الحِمار -في ذلك الوقت- فوَجدته يَحمل آذانًا طويلة. وكَعبه محنّي. وعيونه حلوة وعسليّة. تَشعر أنّه حِمار بمعني الكَلِمَة. يَمشي وَاثق الخطوة. لا يَلتفت إلا لأمري عظيم. أو حدثي جسيمي. إذ ليس مِن شأنه التَّدخُّل فيما لا يعنيه. إذا رَكبه صاحبه وجده قويا مُمتلئا. وإذا نَظر إليه رَآه كائنًا بديعًا يَسر الناظرين. لو اشترك في سباق ¢مَزايِن الحمير¢ لحلّ في المركز الأوّل. رَغم أنّ كُلّ الحمير ¢مَزاين¢. صحّته مُكثَّفة مُحتدمة بعافية الخليج -كما هو تَعبير الشَّاعر الرَّوعة ¢محمد الثبيتي¢-. أرجله تَنهب الطَّريق. تتحرك وفق تَوازنات العَرض والطَّلب. وخطوط الطول ودوائر العَرض. أمَّا نهيقه فكأنَّه نغمة موسيقيّة. أين مِنها مَقاطع بتهوفن. ودرجات السلّم المُوسيقي.. إنه يُصدر أصواتًا تَسر السّامعين. وتُذكر بالفيلسوف الحجازي ¢حمزة شحاتة¢ -رحمه الله- حين قال: إنّ صَوت الحِمار المنكر ليس راجعًا لقُبح صَوته. بل رَاجع إلي أنَّ الإنسان لم يَتعود أن يَسمع ¢الأصوات¢ التي يَتغنّي بها الحِمار. فالحمار يَعزف علي درجات صوتيّة» لا تَتوافق مع ¢الذَّائقة البشريّة¢. إذًا فالخلل في الأُذن البشريّة. وليس في أصوات الحِمير المُوسيقيّة..! عندها -والحديث لشيخنا أبي سفيان العاصي- أدرتُ ¢الرّيموت¢ وقلّبت ¢القنوات¢. وإذا بي أقع علي فِيلم مصري حَديث. يَضم ¢حِمارًا¢ آخر. فبَكيت لحال الحمير. وأنا الذي نَذرتُ نَفسي للدِّفاع عنهم. حيث ظهر ذلك الحمار هَزيلاً حَزينًا. إذا رأيته حَسبته جِدارًا يُريد أن يَنقضّ. وإذا مَشي ظَهرت عليه مَلامح ¢التّخبُّط¢. وكأنَّه يَلفظ أنفاسه الأخيرة. مُخيرًا نَفسه بين مَرارة الانكسار. أو بَشاعة الانتحار.. حتَّي النَّهيق في الفيلم كَأنَّه ¢بُكائيّات¢. أو ¢ثكلي نيّاحة تبكي ولدها¢.. باختصار تَشعر بأنه حِمار لا يُمثل نَفسه. ولا يُمثل عَشيرته الحميريّة. إنه حِمار لا يُشبه الحِمير. يَلتفت يمينًا ويسارًا. وكأنه دَجاجة حَائرة في طَريقها. يَتدخل في كُل قضيّة. و يُبدي رأيه في كُلِّ شَاردة ووَاردة. في آخر الناصية أقول: يا قوم: تأكدوا أن الحمير تتأثّر بالتحولات السياسية. وإذا أردتم أن تعرفوا حال أي شعب فانظروا إلي حميره.