** خمسة وخمسون عاماً بالتمام والكمال هي الفترة الفاصلة ما بين مصافحة صوت القارئ العبقري الشيخ راغب مصطفي غلوش لآذان المسلمين عبر الاثير في شتي بقاع المعمورة في فبراير من عام 1961 وصعود روحه إلي بارئها في فبراير ايضا من الشهر الجاري حيث قرأ الشيخ راغب لأول مرة فجر يوم السادس والعشرين من فبراير بالإذاعة المصرية فور اعتماده وواقع الحال ان قرار اعتماده سبق تقدمه للجنة الاختبار بالاذاعة بنحو عام فقد صدر قرار اعتماده بالفعل مطلع عام 1960 من استراحة المسجد الحسيني بالقاهرة بعد عصر أحد أيام شهر رمضان المعظم عندما كان رئيس الوزراء زكريا محيي الدين وبرفقته الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الاعلام وقت ذاك والدكتور أحمد طعيمة وزير الأوقاف والاستاذ أمين حماد رئيس الاذاعة في انتظار "درس العصر" الرمضاني للشيخ محمد الغزالي يومها اعتذر الشيخ طه الفشني عن الحضور وفتحت أبواب الأمل علي مصراعيها للمجند الشاب راغب غلوش لرفع الآذان فإذا به يتقمص الشخصية القرآنية لأمير القراء عمنا الشيخ مصطفي إسماعيل ويختتم الآذان بعبارته المعتادة ".. والصلاة والسلام عليك يا نبي الرحمة.. ياناشر الهدي يا سيدي يا رسول الله" وما بين الآذان والاقامة وبناء علي رغبة جموع المصلين صعد الجندي الموهوب إلي دكة التلاوة بالمشهد الحسيني وقرأ ما تيسر من صورة الحاقة بصوته الرخيم وأسلوبه الفريد في التلاوة فإذا بالحضور يهللون ويكبرون إعجاباً بالقارئ الصاعد الواعد وإذا بالقارئ الموهوب وجها لوجه أما رئيس الوزراء حيث ادي التحية العسكرية قبل ان يسعد بثناء وتقدير رئيس الحكومة بجمال صوته وروعة أدائه وقبل ان يتسلم قرار زكريا محيي الدين مكتوباً..! ** قبل صدور الطبعة الأولي من كتابي "عباقرة التلاوة في القرن العشرين عام 1999 حرصت علي التواصل مع الشيخ غلوش للوقوف علي حقيقة قرار اعتماده وسألته: هل تسلمت قرار اعتماده بالاذاعة في نفس اليوم قبل مثولك امام لجنة الاختبار واجاب الشيخ راغب لم يكن قرار اعتمادك ولكنه توصية بتفرغي للدراسة بمعهد القراءات تمهيداً لاعتمادك بالاذاعة ويومها حرص الشيخ غلوش علي قراءة نص التأشيرة الموقعة من زكريا محيي الدين علي النحو التالي: "يلتحق المذكور بمعهد القراءات وعلي قائد الوحدة تنفيذ ذلك" وفور عودته إلي وحدته العسكرية بالدراسة كان قائد الوحدة في انتظاره يثني عليه ويحدد مهامه في المعسكر برفع الاذان وامامة المصلين فقط لا غير وبالفعل التحق الشيخ راغب غلوش بمعهد القراءات الملحق بالمسجد الأحمدي وفور انتهاء فترة تجنيده بمطلع الستينيات تقدم إلي لجنة الاختبار بالاذاعة ضمن عدد كبير للغاية واعتمد في نفس اليوم مع بلدياته طالب كلية أصول الدين وقتذاك القارئ الشيخ محمد بدر حسين الذي ينتمي إلي قرية السنطة مركز طنطا ايضا. جدير بالذكر ان الشيخ راغب مصطفي غلوش "1938 2016" حفظ القرآن الكريم في التاسعة من عمره علي يد الشيخ عبدالغني الشرقاوي بكتاب قرية برما التابعة لمحافظة الغربية "مركز طنطا" والتي شهدت مولده ودفن فيها بناء علي وصيته وفي تلك القرية كان الشيخ غلوش حريصا علي تلاوة ما تيسر من القرآن يوميا بمسجدها ما بين اذان العصر والاقامة وفور اعتماده بالاذاعة سافر الشيخ غلوش إلي العديد من الدول العربية والأوروبية لمشاركة المسلمين في احياء ليالي شهر رمضان المعظم وسجل المصحف كاملاً مرتلا ومجوداً للعديد من اذاعات الدول الخليجية وعندما قرأ في المركز الإسلامي بالعاصمة البريطانية بمطلع السبعينيات اسلم العشرات علي يديه تأثراً بآيات الذكر الحكيم. ** آخر كلام: تزامن رحيل القارئ الشيخ راغب مصطفي غلوش يوم الحادي عشر من شهر فبراير الجاري مع ما نشرته الاهرام في نفس اليوم عن فوز طالب بكلية الصيدلة جامعة الأزهر فرع أسيوط يدعي عبدالرحيم راضي بالمركز الأول علي مستوي العالم في حفظ وتلاوة القرآن الكريم المقامة بماليزيا وطبقا لتصريحات القارئ الشيخ عبدالفتاح الطاروطي المحكم في هذه المسابقة العالمية فإن المسابقة تقام مرة واحدة في شهر شعبان من كل عام وان الطالب المذكور لم يتقدم لتلك المسابقة علي الاطلاق ودعونا نتساءل: لماذا أقدم طالب الازهر وفي هذا التوقيت بالذات علي ذلك الفعل المفضوح والاعلان عن فوزه المزعوم عبر شبكات التواصل الاجتماعي علي نطاق واسع بشكل انخدع معه الجميع وفي مقدمتهم وزارة الأوقاف وجامعة الأزهر؟!