اعتاد بعض المسئولين في الحكومات المتعاقبة علي اطلاق تصريحات نارية تثير الرأي العام وصفها البعض بأنها تصريحات صادمة وخصوصا في القضايا المتعلقة بالفساد والاعتداء علي المال العام بداية من تصريح زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق عن فساد محليات ووصصفه بأنه للركب متناسيا انه مسئول عن هذا الفساد بحكم منصبه السياسي بالاضافة إلي انه كان نائبا بالبرلمان لأعوام كثيرة مرورا بكل التصريحات المشابهة ثم يأتي التصريح الأخير للمستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الذي اعلن ان الفساد في العام المالي الحالي التهم 600 مليار جنيه من أموال الشعب مما اثار حالة من الجدل علي وسائل التواصل الاجتماعي بين مصدق لهذا التصريح ومؤكد ان الفساد أكبر من ذلك بكثير ويمكن ان تتجاوز فاتورته هذا الرقم بكثير وبين من يري ان الرقم ضخم ومبالغ فيه بشكل كبير ويتنافي مع الواقع بسبب عدم تقديم المستشار جنينة المستندات التي تدين المعتدين علي أموال الشعب للأجهزة الرقابية ليقتص منهم أمام القضاء. لينقسم الشارع بين مؤيد لتصريحات المسئولين الصحفية والإعلامية في قضايا الفساد ويري انها أحد ادوات محاربة الفساد ومواجهته وبين معارض ويراها ليست اكثر من شو إعلامي للمسئول. الدكتورة ليلي عبدالمجيد العميد السابق لكلية الاعلام جامعة القاهرة تقول ان للاعلام بكافة اشكاله دوراً قومي في مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين فهو المعبر عن ضمير المجتمع والمحقق لمصالحه الوطنية ومن هنا اطلق الشعب علي الصحافة السلطة الرابعة وكأنه يمنحها سلطة لتقوم بدورها في مكافحة الفساد ومن واجب المسئول ان يخرج للاعلام بالتصريحات التي تجلي الحقائق أمام الرأي العام لفضح الفساد وتجريس الفاسدين بشرط ان يكون هناك أدلة دامغة تدين المفسدين وتقدم للجهات المنوط بها التحقيق في هذه الوقائع لأعمال القانون واتخاذ الإجراءات التي تحقق القصاص للمال العام من الذي استحله دون وجه حق ولكن ان تكون هناك تصريحات بدون أدلة فهذا ليس إلا شو اعلامي يحاول به المسئول الظهور من خلال اثارة الرأي العام وهو أمر غير مألوف في التاريخ المصري فالتصريحات المتعلقة بقضايا الفساد تحديدا لابد وان تدعم بالوثائق والمستندات أما ان يحدث غير ذلك فهي أمور لا يصح وان تكون موجودة من الأصل فالأجهزة الرقابية والقضائية تتعامل مع ما ينشر باعتباره بلاغا شعبيا يستوجب التحقيق تقصي الحقائق. مؤكدة وموثقة ويؤكد الدكتور صفوت العالم استاذ الاعلام السياسي بجامعة القاهرة ان للاعلام دورا هاما في كشف قضايا ومؤشرات الفساد في كل مؤسسات وهيئات ووزارات الدولة وهنا تكمن أهمية الاعلام في فضح هذه الممارسات والقائمين عليها ممن يستهدفون تحقيق مصالح خاصة علي حساب مصلحة المواطن أو من يخلطون بين المال العام والخاص فالفساد لابد من مواجهته بكل الطرق والأدوات المتاحة مشيرا إلي ضرورة ان تحقق تصريحات المسئولين المتعلقة بقضايا الفساد الاثر المرجو منها وهو فضح وردع الفاسدين والتأكيد علي ان كل من يرتكب جرما في حق المال سينال عقابه أمام الجهات القضائية أولا وأمام الشعب من خلال صحافته واعلامه لذا يشترط ان تكون التصريحات دقيقة وتعتمد علي معلومات اضافة إلي المستندات التي تؤكد صحة الادعاء حتي لا تثير بلبلة بدون دليل وتصبح التصريحات ذاتها هي الفساد. وطالب العالم المسئولين والاعلاميين بضرورة توخي الحذر سواء في الادلاء بالتصريحات الصحفية في القضايا المتعلقة بالفساد أو بنشرها مع التأكيد علي وضع المصلحة العليا للبلاد في المقام الأول قبل النشر. وتشير الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي إلي انه لابد من وجود ضوابط ومعايير تتحقق قبل الادلاء بالتصريحات الصحفية من المسئولين حتي لا تتحول إلي شو اعلامي وخصوصا ما يتعلق بقضايا الفساد الذي يعد من أهم معوقات التنمية فالفساد بدأ ينتشر في مصر منذ بداية الانفتاح وهنا ظهر الفساد وتوغل في المجتمع إلي أن أصبح ظاهرة يجب مكافحتها والتصدي لها بكل حسم وللإعلام دورا كبيرا في مكافحة أوجه الفساد في المجتمع وعلي المسئولين أيضا الخروج لوسائل الاعلام والتصريح بكل ما يتعلق بقضايا الفساد أو الاعتداء علي المال العام فهذا حق أصيل للمواطنين ولابد ان تكون المحاسبة سريعة وعلنية حتي يتحقق الردع الذي هو أساس العقاب مشددة علي ضرورة توخي الحذر عند التعامل مع القضايا المتعلقة بالفساد سواء من أجهزة الاعلام أو من المسئولين فالمسئولية هنا مشتركة وهدفها تحقيق المصلحة العامة حتي تتحقق العدالة ويأخذ القانون مجراه. ويعود الدكتور محمد زيدان استاذ الاقتصاد للتعليق علي ان التصريحات الصحفية للمسئولين في القضايا العامة وخصوصا ما يتعلق بالاعتداء علي المال العام قائلا انها تؤثر بشكل أو بآخر علي الاقتصاد بمعني انها يمكن ان يكون لها مردود سلبي علي حركة الاقتصاد ولذلك يتوجب علي جميع المسئولين الالتزام بالدقة قبل اطلاق التصريحات فعلي سبيل المثال قد يصل حجم الفساد في أحد القطاعات بمؤسسة ما إلي 50% من حجم الناتج لهذا القطاع والمؤسسة ذاتها لم تتأثر وإذا قلنا ان حجم الخسائر بسبب الفساد في هذه المؤسسة 50% فهذا مغاير للحقيقة ويؤثر علي اقتصاد هذه المؤسسة اضافة إلي الاضرار المعنوية التي تصيبها ولهذا فإن الدقة مطلوبة قبل اطلاق التصريحات الحساسة والمتعلقة بقضايا الاعتداء علي المال العام.