استيقظ مواطنو 34 دولة عربية وإسلامية في قارتي آسيا وافريقيا صباح أمس الأول - الثلاثاء - ليفاجأوا بأن دولهم قد دخلت في تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب دون أن يستشيرهم أو يستطلع رأيهم أحد.. بل دون مقدمات معلنة واضحة كان يمكن أن توحي لهم بقرب مثل هذه النتيجة. تحالف "عسكري" جديد هو الأول من نوعه الذي يحمل "تصنيفا دينيا" بأنه إسلامي في غياب تسميات مقابلة.. مسيحي أو يهودي مثلا.. يضاف إلي ثلاثة تحالفات قائمة بالفعل تحارب الإرهاب في منطقة أصبحت من كثرة التحالفات الدولية والاقليمية والمشتركة. تعاني زحاما أشبه بزحام المرور وتقاطعاته في ميدان "العتبة" في ساعة الذروة بالقاهرة. هناك تحالف دولي تقوده أمريكا وتشارك فيه دول عربية وغربية وإسلامية للحرب علي داعش في سوريا والعراق وتحالف تقوده روسيا في نفس المنطقة وتحت نفس الشعار فضلا عن التحالف العربي الذي يخوض الحرب في اليمن. التحالف العسكري الإسلامي الجديد ينطلق بقيادة السعودية. لتصبح "الرياض" مقر قيادة لتحالفين من التحالفات الأربعة في المنطقة باعتبارها مقر قيادة التحالف العربي في اليمن. لا بأس.. سواء في تشكيل تحالف جديد أو في دور قيادي جديد للسعودية في عالمها العربي والإسلامي فالتحلف - مثل الاتحاد - قوة يتطلع إليها كل العرب وكل المسلمين.. وأي جهد عسكري أو سياسي جماعي يضاف إلي محاربة الإرهاب لابد ان يكون موضع ترحيب من كل من يقف ضد هذه الظاهرة المدمرة والمعادية للحضارة والإنسانية ويسعي للقضاء عليها. أما السعودية فهذ قدرها الذي تؤهلها له مكانتها في العالمين العربي والإسلامي وقدراتها وارتباطاتها العالمية. وكأي كيان دولي مستحدث علي هذا المستوي وبنفس هذا الحجم يحتاج التحالف العسكري الإسلامي لايضاحات ولمناقشات واسعة مستفيضة تساعد الرأي العام علي فهمه حتي لو كانت هذه المناقشات لاحقة بعد أن أصبح التحالف أمرا واقعا وبعد أن تم تجاهل الرأي العام قبل إطلاقه. *** لست خبيرا عسكريا لكن السائد ان التحالفات العسكرية بالذات هي أصعب انواع التحالفات وان الاتفاق عليها وتشكيلها يستغرق وقتا فهي ليست فقط مجرد إرادة أو قرار سياسي لأطرافها وإنما يحتاج تفعيل هذه الإرادة إلي لقاءات واتصالات بين القادة العسكريين في الدول المرشحة للانضمام إليها للتوافق علي تفاصيل كثيرة ومهمة تتعلق بالأهداف والاستراتيجيات والخطط وحجم ونوعية القوات وبرامج التسليح والتدريب وميادين المواجهات المحتملة وآليات التنسيق إلي آخره. هل حدث ذلك بين الدول الأربع والثلاثين التي يتشكل منها التحالف العسكري الإسلامي وان كان حدث.. فمتي وأين؟! وإذا كان لم يحدث فهل كان ما جري أول أمس وأمس هو مجرد اطلاق الفكرة والكيان علي أن تتم مناقشة التفاصيل فيما بعد؟! هذه نقطة مهمة لابد من توضيحها للرأي العام. لماذا أقول ذلك؟! لأن مفاجأة اعلان التحالف حتي لكثير من المتابعين للشئون العربية والدولية وعدم وجود مقدمات واضحة ومعلنة توحي به يمكن أن يأخذ الرأي العام في اتجاهات مختلفة بحثا عن تفسير. فالإرهاب ليس ظاهرة جديدة علي منطقتنا ومنظمة التعاون الإسلامي وميثاقها الخاص بمحاربة الإرهاب أيضا ليسا جديدين.. وتحالفات محاربة الإرهاب. دولية واقليمية موجودة في المنطقة بالفعل.. فما الذي استجد واستدعي اطلاق التحالف العسكري الإسلامي؟! ذلك يعيدني شخصيا إلي آخر ما انتهت إليه التحليلات والمواقف الرسمية للولايات المتحدة والدول الأوروبية المشاركة معها في التحالف الذي تقوده في سوريا والعراق وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا. لقد انتهت هذه التحليلات والمواقف الرسمية إلي الآتي: 1- انه لن يمكن القضاء علي تنظيم داعش في سوريا والعراق بالقصف الجوي وحده مهما بلغت قوته ولابد من تدخل بري. 2- ان التدخل البري لكي يكون فاعلا ومثمرا يحتاج إلي حجم قوات كبير لا يقل عن 100 ألف جندي. 3- أمريكا والدول الأوروبية ترفض نهائيا التدخل البري بقوات من عندها لأن الرأي العام عندها يقف ضد أي تورط في هذا المستنقع كما أنها لا تريد تحمل تكلفة حرب برية نيابة عن أصحاب الشأن وهم في رأيها دول المنطقة. 4- انه بالقياس لهذا الحجم الكبير المطلوب من القوات البرية فإن ما تقوم به أمريكا والدول الغربية في سوريا والعراق من تدريب لقوي المعارضة المحلية أو حتي لجيوش هذه الدول لن يكفي لهذه المواجهة. 5- ان مصر والسعودية - كما أعلنها جون كيري وزير الخارجية الأمريكي صراحة منذ أسبوعين هما الدولتان في المنطقة القادرتان علي تقديم هذا الحجم الكبير من القوات البرية لمواجهة داعش سواء بنفسيهما أو بالمشاركة مع دول أخري. هذه الخلاصة التي انتهت إليها أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون.. هل كانت "توجيها" أو اشارة لاطلاق التحالف العسكري الإسلامي؟! هذا سؤال لا نستطيع أن نلوم عليه من يوجهه أو يفكر في الربط بين الأمرين في غياب أي شفافية حول اطلاق التحالف الجديد أو تفسير مقنع لاعلانه في هذا التوقيت. ثمة ما يدفع في اتجاه مثل هذا الربط وهو تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير التي أدلي بها في باريس مساء الثلاثاء الماضي - أول أمس - وأشار فيها إلي أول تطبيق عملي محتمل للتحالف الجديد وهو ان بلاده ودولا خليجية أخري تبحث ارسال قوات خاصة إلي سوريا في اطار الجهود التي تقودها الولاياتالمتحدة لمحاربة تنظيم داعش دون اشارة إلي ما تقوم به روسيا وحلفاؤها في سوريا لنفس الهدف. الأمر يحتاج توضيحا. *** نقطة أخري تتعلق هذه المرة بالدول الأربع والثلاثين التي يتشكل منها هذا التحالف لأنها تثير العديد من التساؤلات.. فهذه الدول تضم 18 دولة عربية هي مصر والسودان وكل دول الشمال الافريقي أو الاتحاد المغاربي عدا الجزائر.. وكل دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية - عدا سلطنة عمان- وكل دول المشرق العربي لبنان والأردن وفلسطين عدا - سوريا والعراق - بالاضافة إلي اليمن ودولتي القرن الافريقي الصومال وجيبوتي ثم جزر القمر. * السؤال الأول: فيما عدا سلطنة عمان التي سبق أيضا ان امتنعت عن المشاركة في التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.. ما هو تفسير بقاء أكبر ثلاث دول عربية بعد مصر والسعودية خارج التحالف الجديد وهي الجزائروسوريا والعراق فضلا عن كونها تمثل أحد أكثر التجارب العربية والإسلامية مرارة في مواجهة الإرهاب ماضيا وحاضرا؟! هل تم دعوتها ورفضت.. أم جري استبعادها؟! * السؤال الثاني: كيف أمكن تحقيق اتفاق 18 دولة عربية علي الانضمام لتحالف عسكري فجأة بينما فشلت حتي الآن كل جهود التوصل إلي اتفاق عربي حول مشروع القوة العربية المشتركة في اطار جامعة الدول العربية والذي تم اطلاقه في القمة العربية الماضية؟! القول بأن هناك اختلافا وهو ان التحالف العسكري الجديد يقتصر هدفه علي محاربة الإرهاب فقط بينما القوة العربية المشتركة تستهدف مواجهة كل التحديات التي تتعرض لها الأمة العربية تبرير غير مقنع لأنه إذا كانت الدول العربية لا تمانع في الاتفاق علي هدف محاربة الإرهاب فلماذا لم تبدأ به القوة العربية المشتركة علي أن يتم الاتفاق فيما بعد علي تطوير وتوسيع أهدافها لمواجهة بقية التحديات بدلا من الإحباط الذي يعانيه الرأي العام العربي من إجهاض حلمه في قيام هذه القوة؟! هناك أيضا "غائبون" أو مغيبون من الدول الإسلامية ذات الثقل والتأثير عن تشكيل التحالف العسكري الإسلامي الجديد فهناك مثلا أكبر دولتين إسلاميتين من حيث عدد السكان وهما أندونيسياونيجيريا. اضافة إلي أفغانستان وإيران.. وكلها أعضاء فاعلة في منظمة التعاون الإسلامي. الأمر لا يقتصر فقط علي من لم يشملهم التحالف الجديد.. بل يمتد أيضا إلي بعض من شملهم فالرأي العام المصري والعربي الذي تم ويتم شحنه كل يوم بوقائع ومعلومات وأخبار عن دور كل من تركيا وقطر في دعم الإرهاب ورعاية الإرهابيين وتسهيل تنقلهم وتمويلهم.. كيف يمكن ان يقنعه التحالف الإسلامي العسكري الجديد الذي يضمهما ضمن تشكيلة بأنهما سيكونان عونا له في محاربة الإرهاب وليس طابورا خامسا داخله لصالح هذا الإرهاب وجماعاته؟! *** نقطة ثالثة وأخيرة تتعلق بأمرين: الأول: ان التحالف الجديد أعلن انه لن يحارب تنظيم داعش بل كل تنظيم أو جماعة ارهابية أخري تظهر أمامه.. فهل تم الاتفاق علي قائمة بالجماعات والمنظمات الإرهابية القائمة بالفعل والمعروفة للجميع والتي سوف يستهدفها التحالف الجديد؟! ان هذا المطلب هو ما تلح روسيا علي أمريكا لاعلانه منذ بداية الحملة العسكرية الروسية في سوريا.. فكلما قالت أمريكا ان الضربات الروسية تستهدف المعارضة السورية المسلحة التي تدعمها أمريكا طلبت روسيا من أمريكا امدادها بقائمة هذه المنظمات أو الجماعات حتي تتجنب القوات الروسية ضربها.. لكن أمريكا تماطل في تقديم هذه القائمة حتي الآن حتي لا ينكشف تواطؤها مع الإرهاب. بالتحديد.. وهذا ما يهمنا في مصر بالذات.. هل تم الاتفاق أو هناك حتي اتجاه للاتفاق علي اعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية من بين الجماعات التي سوف يستهدفها هذا التحالف؟! الأمر الثاني يتعلق بساحات أو ميادين الحرب الذي سيخوضها هذا التحالف ضد الإرهاب.. فمن بين هذه الميادين التي أشار إليها السعوديون رسميا أول أمس شبه جزيرة سيناء وهذا يجعل من حقنا ان نسأل: هل ستأتي قوات هذا التحالف العسكري الإسلامي إلي مصر لتشارك قواتنا في حربها ضد الإرهاب في سيناء؟! وهل ستخرج قوات مصرية لتشارك في هذه المواجهات في الميادين والساحات الأخري المقترحة ومن بينها دول ليست ضمن الأربع والثلاثين دولة المشكلة للتحالف مثل نيجيرياوأفغانستان؟! انني اكتفي الآن بهذه الملاحظات وبعدها سيكون لكل حادث حديث.