بداية نوضح أن السياسة هي القدرة علي إدارة الأمور بحنكة وفطنة واقتدار وكفاءة وكفاية. فالكلمة مشتقة من ساس الفرس إذا استطاع تروضيه وكبح جماحه والسيطرة عليه في سهولة ويسر. وهي أمر لا بعد ولا محيص عنه في إقامة الدول. فالدول تقوم علي ثلاثة أركان رئيسة. ولا يمكن أن تقوم أي دولة علي اثنين منها دون الثالث. وهي الأرض. والشعب والحكومة "بما يشمل السلطة والنظام". فبدون أرض لا يمكن أن تنشأ دولة أو تقوم في الهواء الطلق أو الفضاء الخارجي. وعلي أقل تقدير إلي زماننا هذا. وإن جاز عقلاً أن تنشأ حياة علي كواكب أخري في مستقبل الأيام. وبدون شعب لا يمكن أن تقوم دولة أو يخط لها حدود. كما أن المجتمعات التي لا يجمعها نظام حاكم لايمكن أن تسمي دولا لا عرفاً ولا قانوناً. إذا لا يمكن الاعتراف في المحافل الدولية بشراذم متفرقة لا يجمعها عقد ولا يحكمها نظام. فسياسة الأمور وسياسة الدول أمر لا مفر منه ولامهرب. ويجب التعامل معه. والإسهام في بنائه بناء صحيحاً قوياً راسخاً. وهو ما يجعلنا نؤكد دائماً علي أهيمة المشاركة الإيجابية في جميع الاستحقاقات الوطنية والدستورية. بدافع وطني. مع التأكيد علي عدم استخدام المساجد أو دور العبادة لصالح حزب أو فصيل أو طائفة أو تيار أو مرشح بعينه أو توظيفها بأي شكل من الأشكال لصالحه. وهذا هو فصل الدعوي عن السياسي. بهذا يمكن أن نحل جزءاًً من إشكالية العلاقة بين الدعوي والسياسي والحزبي. ونؤكد أن الناس في ذلك ثلاثة أقسام رئيسة. الأول: خلط بين الدعوي والحزبي خلطاً أضر بالدعوة والسياسة معاً. إذ حاولت جماعات ما يعرف بالإسلام السياسي استغلال دور العبادة والعاطفة الدينية الفطرية لتحقيق مصالح حزبية أو شخصية. أو لحساب جماعة بعينها. كما ظهر ما يمكن أن يطلق عليه التدين السياسي. وهو خداع الناس باسم الدين. واعاء حمل لوائه ورفع شعاراته والمزايدة بها لصالح بعض الجماعات أو الأحزاب الدينية. لتحقيق مكاسب خاصة من خلال المخادعة باسم الدين. وهذا ما حذرنا وسنظل نحذر منه ومن أدعيائه والمتكسبين به أو المتربحين منه. أما القسم الثاني فلا يفرق بين ما هو استخدام للدين أو متاجرة به لمصال حخاصة وبين الواجب الوطني المحتم علي العلماء والمثقفين والمفكرين. وبخاصة في لحظات تعرض كيان الدولة للخطر. فهو دفاع عن بناء الدولة وكيانها لا عن أشخاص بأعينهم ولا عن حزب بعينه أو جماعة بعينها. فعندما نتحدث عن ضرورة الاصطفاف الوطني. أو التضامن العربي. أو التصدي لأصحاب الدعوات الهدامة ودعاة الفوضي والتخريب. وضرورة الحفاظ علي المؤسسات الوطنية. وعلي أمن الوطن واستقراره. ونحذر من التهديدات التي تحيط بنا. أو مطامع الأعداء في ثروات منطقتنا. ورغبتهم في الاستيلاء علي خيراتها ومقدراتها ونفطها ومفاصلها الاستراتيجية وتوجيه قرارها السياسي أو الوطني. فإن هذا يأتي في صميم واجبنا الدعوي والوطني. ولايمكن أن يقال: إنه خلط للدين بالسياسة. لأنه لم يوجه لصالح شخص أو حزب. أو فصيل أو تيار. فمنطلقنا في كل هذه الأمور شرعي ووطني لا سياسي ولا حزبي. أما القسم الثالث أو النمط الذي نحاول أن نؤصله فهو النأي بالمساجد وملحقاتها وكل ما يتصل بدور العبادة عن خدمة شخص أو حزب أو فصيل أو جماعة أو تيار. نؤكد أننا نجحنا في ذلك إلي حد كبير في جميع الاستحقاقات الوطنية ابتداء من الاستفتاء علي الدستور ومروراً بالانتخابات الرئاسية. ووصولا إلي الانتخابات البرلمانية. وهو ما نؤكد علي ضرورة استمراره في انتخابات المحليات وأي استحقاقات وطنية أو حتي نقابية في المستقبل. وسنظل نحذر الناس من الانخداع بمجرد المظهر أو التدين السياسي أو الشكلي. مع التأكيد علي أهمية المخبر والقيم الأخلاقية والإنسانية الكريمة. أما عندما يتعلق الأمر بأمن الوطن واستقراره فعلي كل وطني مخلص أن يكون في المقدمة. وألا يلتفت إلي شيء أو يلوي علي شيء إلا مصلحة هذا الوطن. فالأشخاص زائلون والوطن باق بإذن الله تعالي. كما يجب علينا جميعاً أن نتصدي لأصحاب الدعوات الهدامة ودعاة الفوضي كل في مجاله وميدانه. حتي نخلص وطننا من العملاء والمأجورين. ونوصي بأن يكون تدريس التربية الوطنية جزءاً راسخاً في جميع مراحل التعليم. وألا تكون مادة هامشية أو ثانوية. إذ يمكن تضمينها بحنكة واقتدار في إطار تدريس مادة التاريخ الذي يعد منهجاً رئيسا في بناء الشخصية الوطنية. إذا ينبغي أن نستقي من دورس الماضي ما نبني به الحاضر وننطلق به في المستقبل كما ينبغي علي جميع المؤسسات التعليمية والدينية والتربوية والثقافة والفكرية والإعلامية الشبابية أن تجعل من التربيه الوطنية وكل ما يعمق ويرسخ الانتماء الوطني جزءاً رئيساً في مناهجها وأنشطتها. ذلك مع التأكيد علي أهمية التوازن في الخطاب الدعوي وعدم الخروج به عن مساره الديني. وشموليته لبناء الإنسان بناءً صحيحاً عقديا وفكريا تعبدياً وأخلاقياًً وسلوكياً وتربوياً. مع التركيز علي أهمية العمل والإنتاج. والبعد عن التقاعس والكسل. وبيان أهمية التكافل والتراحم وحسن المعاملة. وتصويب مسار العلاقات الإنسانية. وإبراز القيم الأخلاقية من الرحمة. والعدل وكرم الطباع. وكل ما يحقق للناس السعادة في دينهم ودنياهم.