لعل غياب مجلس النواب واختفاء دوره الرقابي بعد ثورتي يناير ويونيه. كان له كبير الأثر في إعطاء وسائل الإعلام المختلفة مساحة أكبر من التأثير علي الرأي العام. وشغل مساحة واسعة في الدور الرقابي علي أجهزة الدولة. وللأسف الشديد لم يكن الإعلام. بمتعدد وسائطه المقروءة والمسموعة والمرئية. يمتلك الجاهزية الكاملة للقيام بذلك الدور. فطالته مظاهر الانفلات التي طالت كافة مناحي الحياة. وفي هذه اللحظة الراهنة علينا أن نراجع أنفسنا. مرسلين ومتلقين قبل أن تصل الأمور إلي حالة من التعقيد. التي يصعب التعامل معها في وقت لاحق. خاصة أننا علي أعتاب مرحلة فارقة من عمر الوطن. بل وعمر المنطقة بأسرها. فخلل الجاهزية لم يكن متعمداً. ولكنه كان نتاج حقبة ليست بالقصيرة كان فيها الإعلام الرسمي بوقاً لنظام يملي عليه ماذا يقول؟ وماذا يطرح. أما الإعلام الحزبي فكان دائماً متخوفاً. متحسباً. مداهناً. ففرغ من مضمونه وفقد جدواه. ولم يكن الإعلام الخاص المملوك لرجال الأعمال أفضل حالاً. فكان كل ما يتمناه البقاء الآمن في ظل النظام. للحفاظ علي رؤوس الأموال وخدمة المشروعات وتسييرها. وبعد تداعيات الثورتين طال الانفلات الإعلام. كما طال كافة المناحي الأخري. فرأينا إعلاميين ما أنزل الله بهم من سلطان. أصبحوا فجأة وبدون سابق إنذار ملء السمع والبصر يتبوأون منابر إعلامية خاصة دون علم أو دراسة تؤهلهم لذلك. وبدلاً من الوقوف إلي جوار الدولة في محنتها ودعمها بنقل الأخبار الصادقة. وإجراء التحقيقات والحوارات التي تثمر حلولاً. ربما تفيد متخذ القرار. رأينا العكس من ذلك. فكان بث أخبار كاذبة مشوشة. دون الرجوع إلي مصادر موثوق من مصداقيتها. والحوادث الواهية المأجورة. والتحقيقات الخبيثة التي تضر في مضمونها أكثر مما تفيد. والذي كان من شأنه تأليب الرأي العام وإزكاء روح الفتنة وإضعاف الروح المعنوية والتأثير السلبي علي السياحة. والغريب في الأمر أن بعض أصنام تلك المنابر يتباهون الآن. ويتعالون علي الشعب مدعين أنهم ثوار الأمس فرسان الحاضر. بل وبعضهم أخذته العزة بالإثم فيجاهر ويطلب ثمناً لما قدمه للشعب من خلال منبره. وهنا وفي تلك اللحظة تسقط الأقنعة لنري من ورائها فراغاً أعمي. مقترناً بسطحية وانتهازية متناسين أن ما حدث في يوليو هو إرادة شعبية. ضمنتها القوات المسلحة علي الأرض بعد النداء الواجب من الرئيس. ولعل تلك المهنية المتحفظة الجامدة التي تشبث بها الإعلام المرئي تحديداً دون الالتفات إلي ضرورة المرونة المقننة في اللحظة الراهنة. تعد من أهم الأسباب التي أتاحت للإعلام الخاص أن يعلوا صوته ويثقل كفته فكان الانقضاض علي تورتة الإعلان علي حساب موضوعية التناول والمتاجرة بآلام البسطاء وإسخان أوجاع الوطن. وكان الاحتماء وراء قوانين حرية النشر ومنع الحبس هو العنوان والسبيل والمظلة التي احتمي بها هؤلاء وتمادوا في غيهم. ولكي نوقف هذا العبث الآن بعد أن فاض الكيل. علينا أن نطلق مبادرة مفادها تطوير أداء الإعلام الرسمي. في ظل ما طرأ من متغيرات علي المجتمع المصري بعد ثورتين. وفي إطار من التناول الموضوعي المرن الذي يخدم الصالح العام. أما الإعلام الخاص. المملوك لرجال الأعمال بمقدمي برامجه. فعليهم الآن وليس في وقت لاحق جلد الذات وإعلان التوبة. ومراجعة المواقف. وليعلموا أن في حالة السقوط والتهاوي. لا قدر الله لن تكون هناك منابر مثمرة تدر عليهم الملايين الحرام التي تلوثت بدماء المصريين. بل ستكون هناك ساحات لتلقي الأوامر للتنفيذ. من هنا تكون مراهنتي قائمة علي فطنة المصريين في الفرز والتمييز ما بين الغث والسمين.