ما يحدث من أعمال إجرامية تستهدف أمن واستقرار بل ووجود الوطن كان متوقعاً، والانشغال بجلد الذات والبكائيات التى تقام على شبكات التواصل و«فيس بوك»، والاستغراق فى التحليل والتنظير عبر الفضائيات، وذهاب البعض لعقد مقارنة بين ثورتى 25 يناير و30 يونيو بعيون استبعادية تختلق صراعاً متوهماً، هذا الانشغال والاستغراق يأخذنا بعيداً عن استكمال مسيرة الانتقال من الثورة إلى الدولة التى تضع النقطة المنتظرة فى نهاية سطر الجماعة الإرهابية. نحن أمام حدث فارق فى حياة مصرنا، يشبه لحظات المخاض المصاحبة لميلاد طفل وخروجه إلى الحياة بكل معاناتها وآلامها، التى تزيحها لحظات الفرح الذى يستولى على وجدان الأم حين ترى وليدها يعلن وصوله عبر صراخه ورئتاه تتفتحان لأول دفعة هواء تعقد معه صفقة الحياة. هذه هى مصر الأم والوليد معاً، وهى تواجه أعداء الحياة، الذين رتبوا وخططوا وتحالفوا ونجحوا فى القفز على مقاعد السلطة وسقطوا بسرعة البرق، بعد أن اصطدموا مع الحس المصرى المبدع، فكان من الطبيعى أن يمسهم الجنون ليترجموه فى أعمالهم الإجرامية، وهو مشهد يتكرر فى تاريخنا المصرى المديد سرعان ما ينتهى لحساب الوطن. علينا أن نتخذ من الخطوات ما يناسب اللحظة، لعل أهمها تفعيل العدالة الانتقالية التى تناولناها تفصيلاً هنا قبلاً، فى عرضنا لدراسة تفصيلية عنها للمستشار عادل ماجد، نائب رئيس محكمة النقض، الذى تلقى فور نشر المقال اتصالاً من واحدة من الجهات السيادية تطلب منه كافة أبحاثه ودراساته ورؤيته فيما يتعلق بمنظومة العدالة الانتقالية، التى تهدف لعبور المرحلة الانتقالية وفق معايير موضوعية تضبط مسار الوطن بعيداً عن الانتقام والتهاون والاسترخاء. وقد تأخر كثيراً تجفيف منابع الإرهاب، ومنها: إلغاء قرارات منح الجنسية المصرية لكوادر إرهابية غير مصرية وقرارات العفو الرئاسية عن كوادره المصرية الصادر بحقهم أحكام جنائية باتة ونهائية، ومنهم من تم تصعيدهم إلى مواقع قيادية. ولعله من المطلوب تفعيل اتفاقيات تبادل المجرمين مع العديد من الدول التى تؤوى الهاربين، وهذا يتطلب إسراع الخطى فى تناول قضاياهم المنظورة أمام القضاء بعيداً عن رتابة وبيروقراطية منظومة القضاء، وهنا نتماس مجدداً مع العدالة الانتقالية التى تستند إلى ظهير دستورى أقر بها فى نصوص لا لبس فيها. وعلى الأرض، يتطلب الأمر إعادة الانضباط للشارع فى لحظة تجد قبولاً شعبياً عارماً أسواق الشوارع التى احتلت حتى قلب المدينة، فى كافة المحافظات، بصورة تتحدى القانون والنظام، وهذا يستوجب إعادة النظر وفق معايير مهنية موضوعية فى منظومة الشرطة والجهات المعاونة لها، وفق تقارير الأجهزة الرقابية بحسم وحزم؛ فبعض الأعمال الإجرامية التى استهدفت كوادر ومواقع شرطية تشير إلى وجود اختراقات بين صفوفها، نحددها ونتعقبها ونتعامل معها وفق ملابساتها. ولعل اللافت أن الشباب الذى يحتل الشوارع حتى إلى نهر الطريق من جيش العاطلين وكثافة ونمطية البضائع المعروضة تقول بأن هناك من يقفون وراءهم ينظمون اصطفافهم ويزودونهم بالمنتجات المعروضة التى تتجاوز فى الشارع الواحد، وسط العاصمة نموذجاً، مئات الآلاف من الجنيهات، بما يتجاوز إمكانات الشباب، وقد نكتشف خطوطاً مفتوحة بينهم وبين الجماعة الإرهابية، وقد نكتشف قنوات جديدة فى شبكة غسيل الأموال التى تمول فى النهاية العمليات الإرهابية. يبقى أن ننتبه إلى منظومة الإعلام، خاصة المرئى منه، الذى يغرد بعضه خارج السرب، ويعيد إنتاج ما كان فى العقود السابقة، وغابت عنه المعايير المهنية، جهلاً أو عمداً، وكاد فى بعضه يكون خلايا نائمة وناعمة، يعيد إلى الأذهان حصان طروادة الذى امتلأ بجنود معادية قفزوا خلف الأسوار، واحتلوا فضاء يدخلهم إلى كل بيوت مصر، فهل من انتباهة؟