هناك أسباب موضوعية لقيام الثورات علي مستوي العالم. خاصة عندما تتبني النظم الحاكمة مفاهيم الظلم والقهر وكبت الحريات وقصف الأقلام. والذي يكون من نتاجه انتشار الفقر والجهل والمرض والتخلف بين جموع الشعب. وهذا ليبقي الصفوة الأغنياء في أماكنهم قابعين. وتدور الجموع البسيطة في أتون الضياع. فيدق ناقوس الخطر. وتدوي صافرات الإنذار معلنة الاحتجاج وحتمية التغيير. وعندما تنجح الثورة ويوقف العمل بالدستور ويسقط الحاكم والحكومة تتأثر مفاصل الدولة بمتغيرات الحدث. فنجدها محدودة القوي. فتقوم السلطة الجديدة بإعطاء أولويات للحفاظ علي مقدرات الدولة. وهذا واجب وتترك مساحة من الحرية للتعبير لتمتص موجات الغضب الكامن. وما حدث بمصر بعد ثورتي يناير ويونيه خير دليل علي ذلك. فوجدنا جانباً مضيئاً لشعب متحضر استدعي تاريخه ليضيف درساً جديداً لدروسه علي صفحات التاريخ الإنساني. معلناً شكلاً وإطاراً جديدين عمل الثوري. سيكونان نبراساً وطريقاً للحالمين بالتمرد لقهر الظلم والفساد في العالم. وتبقي الأعراض الجانبية حقيقة ثابتة نلمسها من مشاهد سلبية لإفرازات شعب طاله الاهمال والتهميش لأكثر من ثلاثين عاماً. فوجدنا انفلاتاً غير مسبوق في العديد من مظاهر الحياة. حيث أصبح الشارع مستباحاً لمخالفات المرور ومظاهر التحرش والانفلات الأخلاقي والسلوكي. وأصبحت الأسواق غنيمة للمتاجرين بقوت الشعب وآلامه سعياً للكسب الحرام. هذا بخلاف بعض المظاهر الأخري التي تأتي ما بين توريث الوظائف والمناصب والاعتداء علي حرمة النهر والأراضي الزراعية والصحراوية. وما بين واقع التغيير متغيرات الواقع وأعراضه. تسبح السلطة الجديدة في اتجاه مصالحة الشعب وإرضائه لتحقيق طموحاته وآماله. وهذا واجب. ولم لا؟. وكونها من معطياته ونتاج تضحياته. ويبقي دور الإعلام محورياً. فإما المساندة والنقد البنَّاء والنجاح. وإما حمل معاول الهدم والفشل. والحق أقول: إن هناك تطوراً مهنياً في المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة بحكم إدراك من فيها باللحظة الراهنة التي يمر بها الوطن. وحجم العدائيات المحيطة داخلياً وخارجياً. وإن كانت هناك بضعة أقلام مشكوك في فحوي ما تكتب. ولكن نسبتها وتأثيرها إذا ما قورنت بالكل فهو محدود وغير مؤثر. ولاينقص تلك المنظومة إلا التقييم والتطوير. أما الإعلام الخاص فلا شك كان لبعضه دور إيجابي فيما حدث. فاستحق إعجاب الناس. فأقدموا علي متابعته. ولكنهم دائماً ما يطالبون بالثمن وهنا يتنزه العمل من حب الوطن إلي المصلحة. بينما كان للبعض الآخر دور سلبي. فكانت شاشته ومؤشره وحبره أحمر بلون دماء المصريين. التي سالت من أجل الحرية التي منحت له. وكأنه غير مدرك لذلك. وبدلاً من أن يستفيق ويعدل مساره أخذ في التمادي في ممارسة الرذيلة الفكرية. وأخذ علي عاتقه أن يزيد من آلام الوطن وتعميق جراحه. علي حساب آمال وآلام البسطاء. إما قرباً أو طمعاً في السلطة والمناصب . أو لحماية الأعمال السفلية. ظناً منه أنه يملك سلاح المتاجرة بآلام البسطاء. إن الشعب المصري العظيم بما يملكه من جينات وراثية تؤكد هويته. قادر علي أن يعيد حساباته. ويقيم ويفرز الغث من السمين وبدوري أقول لهم إن اللحظة الفارقة ستمر والتاريخ سيسجل وستكونون خارج إطار الصورة. ولن أطالب بوزير للإعلام ولا بتفعيل ميثاقي الشرف الإعلامي والصحفي. ولكن سأرسل برسالة استغاثة إلي ضمائركم. لعلها تستيقظ وكفي انفلاتاً. لأن الوطن أغلي من أي منافع أو مناصب. فهو أمانة يجب أن نؤديها لأبنائنا كما فعل الآباء والأجداد.