الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الاسلامية وأستاذ الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق جامعة حلوان يقول: ان الهجرة كانت علامة فارقة علي إحداث نقلة نوعية في الدعوة الاسلامية وبنائها وتجلي ذلك في أن الاسلام انطلق من بيئة ضيقة تكيد لهذا الدين حيث حاصروا الرسول صلي الله عليه وسلم- في شُعب أبي طالب.. ومما كان له أثره في تحيين الانتشار بالدعوة الوليدة وحصارها من قِبل أعداء يتربصون بها. فانطلق الرسول بهذه الهجرة في موكب من أنصار الدعوة والدولة في- يثرب- المدينةالمنورة واستطاع بذلك ان ينقل رسالة الاسلام الي رسالة تعترف بالأديان الأخري وتلتقي معها علي قواسم مشتركة في الايمان بالله تعالي والتعايش السلمي المشترك والتعاون علي البر والتقوي وما فيه مصلحة الأمة. ويتجلي ذلك في منظومة في الفاعليات التي دشنها الرسول صلي الله عليه وسلم- فور قدومه إلي المدينةالمنورة وهي الإخاء كأساس قوي ومتين للتوحد علي الهدف ولنصرة الدين بالاضافة الي بناء المسجد. أضاف د. الجندي ان بناء المسجد كان مؤسسة للدعوة برلمان النبوة الذي استقبل فيه الرسول صلي الله عليه وسلم- مواكب الوافدين إلي هذه الدولة الفتية وأقام معهم علاقات وعهداً بل ومعاهدات كان من أهمها معاهدة صلح مع نصاري نجران علي حدود المدينةالمنورة فأرسي بذلك صلي الله عليه وسلم منهج المعاهدات التي ينبغي أن تحترم من قبل أطرافها كذلك وثيقة المدينة التي اجتمع فيها المسلمون واليهود وبعض الوثنيين الذين كانوا يعيشون في المدينة كما أرسي بذلك صلي الله عليه وسلم مبدأ الوحدة الوطنية والتعايش السلمي دون ضرر ولا ضرار بالاضافة الي أن الرسول صلي الله عليه وسلم عمل علي تقوية الدولة لمواجهة أعدائها المتربصين بها والذين يريدون غزوها والاعتداء عليها في ظل تعميق عري الايمان ووحدة الأخوة والسلام الاجتماعي الأمر الذي يجعل الهجرة النبوية بحق نقطة مضيئة في صرح المسيرة الانسانية علي امتداد الزمان والمكان. الهجرة دروس وعبر فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق يقول: ان الهجرة النبوية كانت رفضاً للواقع المر الذي يعيشه المسلمون في مكة. حيث أرسل صلي الله عليه وسلم- أصحابه مبكراً ليمهدوا له الطريق للهجرة إلي المدينة- حيث انتظر أمر الله له ان ينتقل بالدعوة من مدينة جاحدة منكرة لدعوته الي حيث ينطلق بالدعوة الي آفاق أرحب وأوسع في حين جاءه أمر الله فاختار رفيقه الصديق أبوبكر وأعد شباباً لمساعدته في الهجرة كعلي بن أبي طالب ينام في مكان الرسول صلي الله عليه وسلم ويتغطي ببردته مموهاً علي المشركين وأن رسول الله نائم في بيته كما كلفه برد الامانات التي يأتمنه عليها المشركون الي أصحابها حيث كانوا لا يأتمنون علي أماناتهم الغالية الا رسول الله صلي الله عيله وسلم الذي لُقِبَ فيهم بالصادق الأمين ثم ينطلق إلي رحلته وينتظر في الغار أياماً ثلاثة كان فيها الشباب يعمل فأسماء بنت الصديق تحمل الزاد والماء لصاحبي الغار وعامر بن فهيرة راعي غنم الصديق يسير خلف أسماء يغطي آثار أقدامها لأن العرب كانوا يجيدون تقصي الأثر. ثم عبدالله بن أبي بكر كان جهاز مخابرات كاملاً يبحث ويتجسس علي المشركين الي أين يتجهون وعن ماذا يبحثون. الاعتماد علي غير المسلم في الأمور الهامة وأضاف الشيخ عاشور ان النبي صلي الله عليه وسلم ظل في الغار أيام ثلاثة حتي اختار الوقت الملائم والطريق الملائم للخروج من الغار ثم الدليل الذي يختاره صلي الله عليه وسلم حيث اختارعبدالله بن أريقط وكان مشركاً وهذا يعلمنا أن للشباب مكاناً وان من يخالفوننا في الدين من الممكن ان نعتمد عليهم في الأمور الهامة والخطيرة طالما نأمنهم علي ذلك. دروس في حب الأوطان ورسول الله صلي الله عليه وسلم يغادر مكة ويقف علي مشارفها باكياً حزيناً يقول "والله إني أعلم أنك أحب بلاد الله إلي الله وأحب بلاد الله إلي نفسي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت" ورسول الله يعطي درساً للدنيا بأسرها وللعالم أجمع في حب الأوطان والانتماء للأوطان والارتباط بالأوطان ومكانة الأوطان في النفوس والقلوب ولم يهدأ رسول الله صلي الله عليه وسلم ويستريح خاطره إلا حين نزل قول ربنا عز وجل "ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد" فعلم صلي الله عليه وسلم انه عائد إلي مكة لا محالة. دور المسجد في الاسلام وقال الشيخ عاشور ان أول عمل قام به صلي الله عليه وسلم- بعد وصوله الي المدينة كان بناء المسجد.. والمسجد فوق أنه مكان للعبادة كان بالنسبة لرسول الله صلي الله عليه وسلم النادي الذي يستقبل فيه أصحابه. وكان المدرسة والجامعة والمحكمة الذي يقضي فيها بين المتخاصمين وكان مقر القيادة العامة للقوات المسلحة والجيوش كانت تنطلق من المسجد ثم تعود ظافرة إلي المسجد وهكذا فعل الرسول ليطمئن علي أصحابه ليصل دائماً تحت ناظريه وأمام عينيه ثم بعد ذلك كان الاخاء بين المهاجرين والأنصار الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم إرضاءً لربهم والتزاماً وإيماناً بنبيهم قال فيهم جل وعلا "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون" الصادقون في إيمانهم وتوجههم وفيما خرجوا له لا يطلبون عرضاً من أعراض الدنيا.