بدون مقدمات ندخل في الموضوع ويمكن الإيجاز في عدد من النقاط : ** النقطة الأولي: منذ أكثر من ألفي سنة قال المؤرخ الإغريقي "بلوتارك" من الممكن أن نجد مدناً بلا أسوار ولا ملوك ولا ثروة ولا آداب ولا مسارح ولكن لم ير إنسان قط مدينة بلا معبد ولا يمارس أهلها عبادة والمعبد الذي يقصده "بلو تارك" مهما كان اسمه أو رسمه أو صفته التي تتربع في القلوب وتنبع منها وتسيطر علي النفوس وتستهوي العقول المستنيرة وترسم للأفراد ومن ثم للأمم السلوك والطريق والمنهاج "انه الضمير" والضمير هو عنوان الحق وهو ميزان العدل وهو مقياس الحكم وهو منبع الصدق وهو ضد العنف والإرهاب والعدوان وهو أخيراً جوهر الدين. أي دين. ولا يمكن للضمائر أن تموت وأبداً لن تموت. ** النقطة الثانية: في موسوعته التاريخية "قصة الحضارة" أطلق الفيلسوف الأمريكي "ديو رانت" علي الألف سنة من نحو 6000 ق.م إلي نحو 7000 ميلادية اسم "عصر الدين" لأن أهم معالم وأحداث تلك القرون كانت ظهور وانتشار أديان الإنسانية الكبري التي استمرت إلي الآن بأركانها وتعاليمها وشرائعها ومبادئها سواء الأديان الوضعية "البراهماتية" و"البوذية" و"الكونفوشيوسية" و"الزرادشنية" أو الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام. ** النقطة الثالثة: أجمعت كل الأديان وضعية أو سماوية علي الدعوة إلي المساواة وإعلاء قيم العدالة والمحبة والسلام والأمن والأمان والخير وإلي الرحمة حتي مع الحيوان كما أجمعت علي رفض الكراهية والظلم والعنف والغدر والاغتياب والتطرف والإرهاب والعدوان. ** النقطة الرابعة: ان الأديان وضعية أو سماوية كانت من العوامل الأساسية في تكوين الامبراطوريات والحضارات العظمي وفي هذا الصدد يؤكد المؤرخ البريطاني "أرنولد توينبي" ان الدين ليس أمراً ثانوياً لبناء الحضارات وصونها بل هو عنصر يمدها بكافة القيم والأخلاق الروحية كما يمدها بالمعاني الحقيقية والأصيلة للخير والحق والجمال وبنفس القوة هو عنصر رئيسي وأساسي في تكوين الضمير الجمعي. ** النقطة الخامسة: أنبأتنا وثائق التاريخ ودروسه ان الامبراطوريات بلا استثناء سادت عندما سعت إلي إعلاء منظومات راسخة من الحق والخير والعدل والحرية بمدلولاتها الشاملة والمتنوعة ثم بادت عندما حادت عن هذا الطريق. ** النقطة السادسة: ان الحروب التي جرت في قرنين غابرين من الزمن أطلق عليها العرب "حروب الفرنجة". أما راية الصليب التي انضوي الغزاة الفرنجة تحت لوائها فهي لا تمت إلي هذا الرمز المسيحي المقدس بصلة من قريب أو من بعيد لكن الغرض الاستعماري والهوي والأطماع الغربية في السيطرة علي مقدرات الشرق العربي الإسلامي كانت هي الغاية والهدف والتاريخ لا يكذب بل ويشهد بأن الدين أي دين قد جري استغلاله في العديد من الغزوات والفتوحات والحملات الاستعمارية منذ فجر التاريخ وحتي اليوم ولقد وصل الأمر بالغازي الفرنسي "نابليون بونابرت" إلي استخدام دين الإسلام ونطق بالشهادتين وبسمل وحوقل حتي تدين له مصر وعندما عجز عن تحقيق مآربه بالتقرب إلي المصريين لجأ إلي القوة واقتحم صحن الأزهر الشريف بخيوله وقواته.. والتاريخ أيضاً لا يكذب. ** النقطة السابعة: ان التنظيمات والجماعات الإرهابية بدءاً من "جماعة الإخوان المسلمين" وصولاً إلي تلك التي ظهرت في العقدين الأخيرين هي حسبما تؤكد المقدمات والتداعيات والحقائق والملابسات والظروف صناعة غربية بامتياز لخلق منظومة "فرق تسد" أو "فوضي خلاقة" لتحقيق غايات وأهداف القوي الاستعمارية في السيطرة والهيمنة ونهب ثروات الشعوب والدول المتخلفة والنامية فضلاً عن تطويق القوي المناوئة وعلي سبيل المثال تؤكد صفحات التاريخ ان بريطانيا عندما كانت تحتل مصر قدمت دعماً مادياً ومعنوياً لجماعة الإخوان المسلمين كي تنتشر وتتمدد كما ان احتلال أفغانستان ثم العراق خير برهان وخير دليل. ** النقطة الأخيرة: ان الدين حجة علي معتنقيه بمعني ان الإسلام حجة علي المسلمين والعكس غير صحيح والمسيحية حجة علي المسيحيين والعكس غير صحيح أيضاً.. هنا فإن مقولة "صدام الحضارات والأديان" التي أفتانا بها "صموئيل هانتنجتون" منذ نحو عقدين مقولة فاسدة يسهل دحضها لأن الأديان كما أسلفنا تتحاور ولا تتصادم وتتعايش ولا تتنابز وتشترك في مقومات أساسية سبق ذكرها وبغير إعمال المبادئ التي يقوم عليها الدين "وتشترك فيها كل الأديان" يكون التدين منقوصاً أو هلامياً أو مغرضاً أو باهتاً أو جائراً حسب الأحوال والظروف والملابسات.