قد لا يكون حسني مبارك فاسداً.. لكن تأسيس دولة الفساد في عصره. وتربية جيل كامل من الفاسدين الذين استحلوا قوت الشعب. يضع في رقبته وزر كل جريمة يرتكبها هؤلاء المجرمون. أسوأ أخطاء حسني مبارك علي مدار 30 عاماً أنه جعل الفساد في دواوين وهيئات الحكومة وأروقة الجهاز الإداري للدولة هو القاعدة. والشرف هو الاستثناء.. فأصبحت الرشوة والمحسوبية هي أساس التعامل. واستحلال المال العام أمراً مشروعاً. والنهب و"الغرف" من حسابات الصناديق العامة والخاصة شيئاً مستباحاً.. إنها جريمة لم ولن يحاسب عليها الرئيس الأسبق حتي ولو استمرت أثارها عشرات السنين. والفساد المتغلغل في كل موقع حكومي أو جهة أو مؤسسة حكومية وغير حكومية. ينتشر أفراده كالسوس ينخر في الجسد العليل. يأكل لحمه وعظامه ويمص دماءه. بلا رحمة ولا هوادة.. وخطورة هذا السوس. لم تعد فقط فيما يحققه من ثروات طائلة علي حساب الشعب. ولا في تحطيم كل جهود الدولة. وافشال خطط الحكومة التي تعتمد علي دعوة المستثمرين من الداخل والخارج للاستثمار في مصر وإقامة مشروعات جديدة توفر فرص عمل للشباب العاطل. وتزيد الانتاج. وتحسن الخدمات التي يتم تقديمها للمواطنين. لكن خطورة هذا السوس تكمن في انتشاره بين بشر يظنون أن فعلهم أمر طبيعي. وبزنس مشروع ومتداول ولا غبار عليه. وأن العمولات والرشاوي التي تدفع من فوق ومن تحت الترابيزة هي رزق قد كتبه الله لهم. وهم لا يدركون أنهم يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا. هذا الجيل وهؤلاء الفاسدون الذين تربوا في عهد مبارك. وجدوا من ثورة يناير والانفلات الذي تم خلالها وفي السنوات التي تلتها. توقيتا مناسباً لاستكمال النهب والسرقة وتحقيق ثروات طائلة من قوت الغلابة.. وهو ما تم الكشف عن بعضه مؤخراً في إدارة 6 اكتوبر التعليمية ونهب مديرة الحسابات وممثل وزارة المالية وعصابتها لنحو 300 مليون جنيه من أموال الإدارة. وأعقبها الكشف عن فضيحة الفساد في وزارة الزراعة والمراكز التابعة لها برئاسة وزير الزراعة السابق ومعاونيه. وأخيراً حصول 3 مسئولين بهيئة التأمينات الاجتماعية علي مليار جنيه في صورة مكافآت وحوافز وبدلات خلال 6 أشهر فقط من أموال أصحاب المعاشات والتأمينات. وخلال الأيام الماضية فتحت "الجمهورية" ملف دعم القمح والمليارات الحرام التي يحققها الفاسدون من أموال الغلابة ومحدودي الدخل الذين يقضون نصف عمرهم في طوابير الرغيف المدعم فمنهم من يلقي نحبه ومنهم من ينتظر. وكشفت "الجمهورية" أن الفاسدين استغلوا دعم الحكومة للفلاح.. وتشجيع المزارعين علي زراعة القمح وقرارها بشراء طن القمح القمح المحلي بسعر 2800 جنيه للطن. وهو سعر يزيد علي السعر العالمي بنحو 1500 جنيه. فخلطوا القمح المحلي بالمستورد وحققوا ثروات طائلة. هؤلاء الفاسدون هم أول من يهاجم الحكومة عند أي حديث عن ترشيد الدعم. وهم أكثر من يتحدثون عن محدودي الدخل وحاجتهم للدعم الحكومي.. وهم في رأيي لا يقلون خطراً علي مصر من خطر الارهاب. فالعملية الارهابية قد تقتل شخصاً أو عدة أشخاص. وقد تسبب خسائر بالآلاف أو ملايين الجنيهات. لكن تأصيل الفساد يقتل جيلاً بأكمله. ويدمر اقتصاد أمة.. والقضاء علي هذا الخطر لا يتم بالنوايا الحسنة ولا بالتصريحات الوردية. ولكن بالضرب بيد من حديد علي كل فاسد وعلي كل من تسول له نفسه الاقتراب من دعم وأموال الغلابة. لن تنجح أي خطط لتحقيق التنمية بدون القضاء علي الفساد.. ولن تفلح المشروعات القومية في بناء مصر الحديثة إذا لم يصاحبها مشروع قومي لضرب الفاسدين.