يبدو أن هناك طابوراً خامساً وسادساً وسابعاً. يحاول شد هذا البلد للخلف. ووقف أي محاولات للتقدم للأمام ولو خطوة واحدة. طوابير لا تخرج في مظاهرات. ولا تستخدم العنف والقنابل ولا المولوتوف. لكن خطرها أشد من الأسلحة الكيماوية. لأنه ينتشر ويتوغل ويستمر ويقتل ويدمر البشر والحجر والأخضر واليابس.. انها طوابير الفساد في الجهاز الإداري للدولة. الفساد المتغلغل في كل موقع حكومي أو جهة حكومية أو مؤسسة حكومية وغير حكومية. ينتشر أفراده كالسوس ينخر في الجسد العليل. يأكل لحمه وعظامه ويمص دماءه. بلا رحمة ولا هوادة. وسوس الفساد المنتشر في المزايدات والمناقصات الخاصة بالأراضي الصناعية. تعدي الركب وبلغ الحلقوم. وملأ بطنه بالرشاوي والعمولات التي يتم دفعها من تحت ومن فوق الترابيزة. جهاراً نهاراً. وعلي عينك يا تاجر. عدد من رجال الصناعة اشتكوا مر الشكوي وتحدثوا بمرارة عن شبكات عنقودية وعصابات أخطر من المافيا تضم مجموعة من كبار وصغار الموظفين في الوزارات وأيضاً للأسف في جهات رقابية. يسيطرون علي كل الأراضي الصناعية التي يتم طرحها للمشروعات الاستثمارية. يدخلون المزادات والمناقصات. ويعرضون مبالغ مالية علي المشاركين فيها مقابل الانسحاب. ودفع المناقصة إلي مافيا التسقيع الذين يربحون الملايين ويسرقون قوت الشعب. واحد من رجال الصناعة حكي عن مناقصة لبيع قطعة أرض مساحتها 15 ألف متر لإقامة مصنع جديد للأسمدة عليها. تقدم لها 6 مستثمرين. تم رفض أحدهم فنياً. وبقي 5 مزايدين فقط. ثم حدثت المفاجأة عند إعلان النتيجة. بأن الفائز بالأرض هو المرفوض فنياً. كما فوجيء هذا المستثمر بأحد الأشخاص يتصل به قائلاً: "لو عاوز الأرض شوف هتدفع كام؟" لكنه رفض هذا الأسلوب وقرر تأجيل مشروع كان مخصصاً له استثمارات بنحو مليار و200 مليون جنيه!!. وحكي آخر عن مناقصة لبيع أراض صناعية في مدينة العاشر من رمضان. وعندإعلان النتيجة فوجيء المستثمرون بأن الفائزين بها من أقارب العاملين بجهاز المدينة. وأشخاص لا علاقة لهم أبداً بالصناعة أو الاستثمار. وأنهم سماسرة أراضي احترفوا الانقضاض علي الأراضي الجديدة وشراءها واحتكارها لتسقيعها وبيعها بعد ارتفاع أسعارها. وليذهب الاستثمار والاقتصاد وخطط الحكومة إلي الجحيم. خطورة هذا السوس. لم تعد فقط فيما يحققه من ثروات طائلة علي حساب الشعب. ولا في تحطيم كل جهود الرئيس. وإفشال خطط الحكومة التي تعتمد علي دعوة المستثمرين من الداخل والخارج للاستثمار في مصر وإقامة مشروعات جديدة توفر فرص عمل للشباب العطال. وتزيد الإنتاج. وتحسن الخدمات التي يتم تقديمها للمواطنين. لكن خطورة هذا السوس تكمن في انتشاره بين بشر يظنون أن فعلهم أمر طبيعي. وبيزنس مشروع ومتداول ولا غبار عليه. وأن العمولات والرشاوي التي تدفع من فوق ومن تحت الترابيزة هي رزق قد كتبه الله لهم. وهم لا يدركون أنهم يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً. يا سادة يا كرام.. الفساد أخطر علي مصر من إسرائيل ومن أمريكا ومن الإخوان. ومحاربته لا تقل أهمية عن محاربة العنف والإرهاب.. وإذا انتشر الفساد في دواوين الحكومة.. فلا تحدثني عن خطط وبرامج ومستقبل.. لكن ادع معي وقل "كفي الله مصر شر أهلها".