ماحدث خلال أكثر من عامين علي قيام الثورة هو محاولة كل من استفاد من النظام السابق أن يحافظ علي مواقعه التي فقدها وثرواته الحرام التي اكتسبها مستخدما كل الوسائل غير المشروعة وأخطرها العنف المتعمد من خلال الفئات التي أفقدها النظام إنسانيتها من الفقراء وأولاد الشوارع واستغلال غضب الشباب ومعاناته وطموحاته وصولا للتحالف مع الجبهات والحركات التي تعادي النظام الجديد واستنادا للقضاء الذي مازال يعمل خارج إطار الثورة وبقوانين سنها النظام القديم ومزايا حصل عليها الجهاز القضائي كانت بهدف تطويعه ونشر الفساد بين صفوف ضعاف النفوس وهم استثناء في صفوف رجال العدالة وتوغل في جهاز الأمن جعلته مسخرا لخدمة النظام ورجاله وليس للشعب إن أخطر ماتواجهه البلاد بعد الثورة هو سوس الفساد الذي نخر في كل جزء وركن من بناء الدولة، وما نسمعه هذه الأيام هو مايظهر من قمة جبل الجليد ، أزمة السولار وعصابات تهريبه وإلقائه في البالوعات والصحراء وبيعه للسفن العابرة وتخزينه والكشف عن رعاية بعض المسئولين في قطاع البترول لتلك التجارة الحرام، ومايحدث الآن من محاولة شبكات مشبوهة شراء القمح من المزارعين بأضعاف الثمن الذي تعرضه الحكومة بغرض حرقه وإتلافه، لكن الثقة كبيرة في فلاحي مصر الشرفاء وكذلك دور الأجهزة الرقابية في تفويت الفرصة علي المؤامرة التي تستهدف رغيف الخبز خاصة بعد إعلان أن هناك زيادة في إنتاج القمح تزيد علي 52٪ هذا العام وأن مصر في طريقها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الحيوي، والتلاعب الذي جري في سوق العملات خارج البنوك والهبوط الحاد في سعر صرفه أمام العملات الأخري ، كل ذلك مجرد صور كاشفة وفاضحة للفساد الذي تربي وترعرع في العهود السابقة وأصبح القاعدة وليس الاستثناء، وللأسف تماهي المصريون مع تلك الصور فكانت الرشوة والمحسوبية وفساد الذمم والسلب والنهب لأراضي الدولة وممتلكاتها بمجرد مكالمات هاتفية أو تأشيرات لمن يرضي عنهم النظام وهؤلاء هم من تركهم لنا ليقودوا الثورة المضادة عبر بوابات الاقتصاد والإعلام والسياسة وتسللوا إلي صفوف الشباب حيث حولوا غضبه إلي موجات من العنف لم نشهدها من قبل من ألفاظ وشعارات خادشة للحياء وخارج إطار قيم المجتمع إلي مولوتوف ورفع ملابس داخلية وتعري وخرطوش بل والأغرب كما شاهدنا الجمعة الماضية استخدام الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع من قبل البلطجية من جماعة البلاك بلوك التي يجب حظر نشاطها بالقانون وتصفية وجودها ، ولانتعجب من كيفية وصول هذه الأسلحة للشباب فهناك أنواع أكثر خطورة وتأثيرا وصلت للبلاد عبر حدودنا من كل الجهات الأصلية استغلالا لحالة الانفلات الأمني والفوضي في العامين الماضيين. إذن هناك عدة روابط وقواسم مشتركة بين الفساد والعنف والثورة المضادة والإعلام الممول من فلول النظام السابق والمعارضة التي تكن عداء وكراهية للنظام القائم ولديها استعداد للتحالف حتي ولو مع الشيطان لإسقاطه ومن يمثله من تيارات ، ولعل صمتها وعدم وضوح مواقف رموزها إزاء أحداث العنف يشي برضائها ورعايتها لهذا العنف من الشباب الذي لم يتح له الفرصة للتواجد بشكل فاعل داخل صفوف المعارضة نفسها في حين تدعي أنها تدافع عن حقوق هؤلاء الشباب وثورتهم (أزمة حزب الدستور كنموذج) والانشقاقات في الأحزاب التي تضمها هذه الجبهة التي توشك أن تتفكك وتطوي صفحتها! إن هناك ملفات ضخمة للفساد في العهد السابق توشك أن تفتح وهذا سر موجات العنف في الشارع سوف تكشف الجزء المختفي من جبل الجليد، وأن هذا البلد تم تجريف ثرواته وموارده من أجل رجال النظام وأعوانه والأدلة التي ستقدم في محاكمات مبارك وزمرته سوف تقدم لتنهي احتفالية مهرجان البراءة للجميع ، وعلي القضاء أن يعيد الثقة فيه من جديد وأن ينقي صفوفه مما علق بثوبه من نقاط سوداء فهناك الكثير من الشرفاء في ساحاته لكن باقي الجهاز القضائي يعاني من أوجه الخلل خاصة في النيابات التي فشلت في معظمها في تقديم الأدلة الكافية في قضايا قتل الثوار فكانت النتيجة الطبيعية إخلاء سبيل وتبرئة الكثير من أجهزة ورموز النظام السابق ، ثم ما الضرر في صدور قانون السلطة القضائية وما المشكلة في أن يتساوي القاضي مع بقية أفراد الشعب وهيئات الدولة وطبقا للدستور في أن يحال للتقاعد في سن الستين لإتاحة الفرصة للأجيال الشابة لصعود درجات سلم القضاء؟! إزالة آثار هذا الفساد لن تتحقق في شهور أو حتي في سنوات قليلة فما خلفه ذلك النظام يحتاج لجهد ضخم وشاق وصبر لأنه توغل في كل شبر من أرض مصر وأصبح جزءا لايتجزأ من طبيعته والمؤامرات التي تجري في كل مكان وتستهدف قوت المصريين وحياتهم وأمنهم تسعي بكل وضوح لإسقاط النظام الجديد لكي يعود الفاسدون والمستبدون مرة أخري لصدارة المشهد وليخسر الجميع كل مابذل من أثمان من أجل تلك الثورة ، ومن خلال معارضة تبدو كظاهرة صوتية وافتراضية لا رصيد لها في الشارع كما أشار معظم استطلاعات الرأي في الداخل والخارج، معارضة كان ينبغي لرموزها اعتزال العمل السياسي والخلود للراحة وأن تقر بخسارتها في الاستحقاقات السابقة وتستعد للجولات القادمة ضمن منظومة الديمقراطية في تداول السلطة. مصر تواجه أوقاتا عصيبة لكن الشرفاء من أبنائها وما أكثرهم قادرون علي عبور تلك الأزمات وإنهاء دوامة العنف وإزالة آثار الفساد وعلي النظام الجديد أن يصغي لهؤلاء الشرفاء فهم زاده لعبور تلك المرحلة نحو مستقبل أفضل من إعلاميين وقضاة وكل عامل ومسئول يرعي الله وضميره في بلده كي يستعيد عافيته ويسترد مكانته من جديد.